جديد المدونة

العشر الأول من ذي الحجة

العشر الأول من ذي الحجة

الحمد لله ربِّ العالمين ، الحمد لله الحنَّان المنَّان ، الكريم الرَّحمان ، عطاؤُه يزيد ، ورحمتُهُ واسعة ، إِنْ أَطَعْنَاهُ قربنا ، وَإِنْ عصيناه عاقبنا ، فما علينا إلاَّ أن نقول دائمًا الحمد لله ربِّ العالمين ، وأشهد أن ألاَّ إله إلا الله وحده لا شريك له ، جعل لبعضِ شهورِ العام وأيامه ولياليه فضلاً كبيرا ، ومنها هذهِ الْعَشْرُ الأُوَّلْ من شهرِ ذي الحجة ، وأشهدُ أنَّ صاحبَ المقامِ المحمودِ والحوض المورود ، سيِّدنا مُحَمدٍ صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، حثَّنا على اغتنامِ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ في الطَّاعَةِ والْعِبَادَةِ ، والتَّكْبِيرِ وفعلِ الخيرات ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد بعدد قطر المطر ، وورق الشَّجر ، وقِطَعِ الْحَجَر ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم العرض والمحشر،، أمَّا بعد : فيا أحباب الله : أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته ، وَلْنَأْخُذِ العِظة من هذه الموعظةِ لدُنْيَانَا وآخِرَتِنَا : جاء في أخبارِ نَبِيِّ الله دَاوُدَ على نبينا وعليه الصَّلاة والسَّلام أنَّ الله تعالى قال « يَا دَاوُدُ أَبْلِغْ أَهْلَ أَرْضِي أنِّي حَبِيبٌ لِمَنْ أَحَبَّنِي ، وَجَلِيسٌ لِمَنْ جَالَسَنِي ، وَمُؤْنِسٌ لِمَنْ أَنِسَ بِذِكْرِي ، وَصَاحِبٌ لِمَنْ صَاحَبَنِي ، وَمُخْتَارٌ لِمَنِ اخْتَارَنِي ، وَمُطِيعٌ لِمَنْ أَطَاعَنِي ، مَا أَحَبَّنِي عَبْدٌ أَعْلَمُ ذَلِكَ يَقِينًا مِنْ قَلْبِهِ ، إِلاَّ قَبِلْتُهُ لِنَفْسِي، وَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا لاَ يَتَقَدَّمُهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِي ، وَمَنْ طَلَبَنِي بِالْحَقِّ وَجَدَنِي ، وَمَنْ طَلَبَ غَيْرِي لَمْ يَجِدْنِي ، فَارْفُضُوا يَا أَهْلَ الأرْضِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ غُرُورِهَا ، وَهَلُمُّوا إِلَى كَرَامَتِي وَمُصَاحَبَتِي وَمُجَالَسَتِي ، وَأْنَسُوا بِي أُؤَانِسُكُمْ ، وَأُسَارِعُ إِلَى مَحَبَتِكُمْ ، فَإِنِّي خَلَقْتُ طِينَةَ أَحْبَابِي مِنْ طِينَةِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِي ، وَمُوسَى نَجِيِّ ، وَمُحَمَّدٌ صَفِيِّ ، وَخَلَقْتُ قُلُوبَ الْمُشْتَاقِينَ مِن نُّوِريِ وَنَعَّمْتُهَا بِجَلاَلِي » اللهم أعنَّا على طاعتك ونوِّر قلوبنا بمحبتك .

حضرات المسلمين : إنَّنَا نعيشُ شهرا مُباركا ، هو شهر ذي الحجة ، وأياما مباركة ، هي أيامُ الْعَشْرِ الأُوَّلِ من ذي الحجة ، وزمنًا مباركًا ، هو زمن أوقات الحج إلى بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة ، ومنها زيارةُ المصطفى عليه الصلاة والسلام ، والتَّكرمِ بالسلام عليه وعلى صاحبيه رضي الله عنهما ، فهذه الأيامِ الْعَشْرِ المباركة، باركها الله جل جلاله، وذكرها في كتابه الكريم ، فقال جلَّ شأنه { وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } ، فما من مسلم أو مسلمة ، يعمل فيها الطاعات والعبادات والأعمال الصالحات دنيويةً كانت أو أُخْرَوِيَّة ، إلا أدخلت صاحبها في محبة الله عز وجل ، فمن منا لا يريد محبة الله ورضوانه ، كلُّنا يريد هذه المحبة وهذا الرضوان ، الله أكبر ،، الله أكبر ما أعظمَ هذه الأيام ، الله أكبر ما أَنْوَرَ هذه الأيام ، الله أكبر ما أجلَّ هذه الأيام ، أخي المسلم أحيي قلبك بذكر الله ،أحيى قلبك بذكر الله في جميع الأوقات ، أحيى قلبك في وقت المحن والأزمات والشدائد، وخاصة في الوقت والظرف الذي تمر به بلادنا ليبيا ، فنسأل الله لها السلامة والأمن والأمان ، والتقدم والازدهار ، أحيى قلبك بقولك { يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيث } وبقولك الله أكبر ، بالتكبير ، فقد كان بعض الصحابة يكبرون في هذه الأيام ، في السُّوق وفي لهو الناس بالبيع والشراء ، يُذَكِّرُونَهُمُ الله ، فيُكَبِّرُ النَّاسُ بتكبيرهم ، وَلْنَعْلَمَ أن التكبير تنزعجُ منه الشياطينُ وتفر ، وتنزعج منه القلوب القاسية البعيدة من الله جل جلاله ، فالتكبير والذكر يَغْسِلُ القلب ويجليه فيصبح أبيضا مثل الحليب ، أو الثوب الأبيض الناصع ، فلا تهملِ التكبير أيها المسلم ، ولا تنزعج أو تقول ما تقول عند سماعه من المآذن، أو الشوارع أو الأسواق ، فالتَّقَوُّلُ على الله جل جلاله بالباطل ، يُبْعِدُ الإنسان المسلم عن مولاه ، وربما يجره إلى سوء الخاتمة عياذاً بالله ، نسأل الله بمنه وكرمه ، أن يرزقنا جميعا حسن الخاتمة ..

إخوة الإيمان: وفي فضل هذه الأيام كذلك ، ما جاء في سنن بن ماجةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ ». يَعْنِى الْعَشْرَ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ « وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ،إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَىْءٍ ». فتعالوا معيَّ عباد الله نضعُ خطًا أو علامة استفهام ، تحت قول المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق « مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا ؟ ». والعمل الصالح في هذه الأيام وفي كل الأيام سلامةُ الصدر من الأحقاد ، نُحبُ يا أحباب الله أن تكون صُدُورنا دائما سليمة ، لا تحمل حقدا ولا غلا ولا حسدا ، ولا عنصرية ولا انتقاما على أحدٍ من المسلمين ، ولكن الشَّيطان الرجيم يلعب ألاعيبه ، وينصب حبائله للمسلمين ، والإخوة والأقرباء والجيران ، وأصحاب المجتمع والحي والمدينة الواحدة ، لِيُفَرِقَ بينهم وبين أُخُوَّتِهِمْ وعلاقتهم ، وَإِنَّهُ يَفْرحُ إذا نجح في التَّحريش بينهم ، بِأَن لَّقَبُوا أنفسهم بألقابٍ غيرِ لائقةٍ بالإنسان ، أو اعتدوا على بعضهم بالتَّهديد بالسِّلاح أو الضَّرب به ، بسبب أراءٍ أو مواقف ، لا يملكون التَّصرف فيها ، وأنها بيد الله وحده سبحانه وتعالى ، لأنه هو الْمُحْيِّ والمميت ، وهو المعز والمذل ، وهو الرافع والخافض ، لا يتصرف في ملكه أحد من خلقه، وهو الحكيم الخبير ، فلذلك لا يجبُ على المسلم ، أن يفتح سمعه وقلبه للشيطانِ الرجيم ، حتى لا يُغْوِيهِ ويحيد به عن الصراط المستقيم ، وإذا وجد شيئا من ذلك الإغواء والوسوسة والإغراء ، قال { أعوذ بالله من الشيطان الرجيم } في سنن الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ ، وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً ، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ ، فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، ثُمَّ تَلاَ قَوْلَهُ تَعَالَى الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً ،وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة268 وقال الحسن { إِنَّمَا هُمَا هَمَّانِ يَجُولاَنِ فِي الْقَلْبِ ، هَمٌّ مِنَ اللهِ تَعَالَى وَهَمٌّ ، مِنَ الْعَدُوِّ ، فَرَحِمَ اللهُ عَبْدًا وَقَفَ عِنْدَ هَمِّهِ ، فَمَا كَانَ مِنَ اللهِ تَعَالَى أَمْضَاهُ ، وَمَا كَانَ مِنْ عَدُوِّهِ جَاهَدَهُ } انتهى كلامه رحمه الله . فهكذا يكون المسلم والمجتمع في جميع الأوقات ، وخاصة في زمن الحروب والفتن والأزمات ، متراحما مترابطا ، ممتثلا لقول الله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }الحجرات10. أُخُوَّةُ الإيمان ، أُخُوَّةُ المحبةِ الخالصةِ لله تعالى ، لا أنانيةً ولا حقداً ولا انتقامًا ، قارئا مُتَمَعِّناً لقوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا ، رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }الحشر10. بارك الله لي ولكم في القرآن والسنَّة ، وله الفضل والمنَّة ، وغفر لنا وللمسلمين وأدخلنا الجنَّة . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيما لشانه سبحانه، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله، الدَّاعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليما كثيرا.. أما بعد :

إخوة الإسلام : اتقوا الله تعالى ، ثم اعلموا أنه علينا أن نجمع في هذه الأيام المباركة ، الأول من شهر ذي الحجة ، بين قراءة القرآن والذكر والصوم، والصلاة والزكاة والصدقات ، ومساعدة الفقراء والمساكين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفعل الصالحات التي نقدر عليها ، المُهِمُّ أن تكون نياتنا صافية على بعضنا البعض ، دون حقد أو ضغينة مهما اختلفنا في وجهات نظرنا الدنيوية ، والله يريد منا أن نكون صفًّا واحدا في مجتمعنا ووطننا ليبيا وأمتنا الإسلامية ، في مسند الإمام أحمد عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « كَرَمُ الرَّجُلِ دِينُهُ وَمُرُوءَتُهُ عَقْلُهُ وَحَسَبُهُ خُلُقُهُ ». وقيل يا عباد الله : فيم التجمل ؟ قال: في لطف الكلام ، وإظهار البشر والابتسام فمن لقي الناس بالإحسان ، وعاملهم بالأخلاق الحسان فهو الذي يَخِفُّ عليهم جانبه وَيُحْمَدُ إِخَاؤُهُ ، أَيْ يُحِبُونَهُ وَيَذْكُرُونَهُ بِخَيْرٍ ، ويقول القائل :

إِذَا حَوَيْتَ خِصَالَ الْخَيْرِ أَجْمَعِهَا  ---  فَضْلاً وَعَامَلْتَ كُلَّ النَّاسِ بِالْحَسَنِ

لَمْ تُعْدَمَ الْخَيْرَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ    ---- تُحْرِزُهُ وَالشُّكْرُ مِنْ خَلْقِهِ فِي السَّرِ وَالْعَلَنِ

هكذا نحاول ونجاهد أنفسنا في هذه الأيام العشر وسائر الأيام على الدوام نُلزمها على فعل الخير وترك والشر، يقول سبحانه وتعالى {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }الجاثية22 . نسأل الله تعالى أن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر ، وأن يوفقنا لاغتنام هذه الأيام ، وأن يبارك لنا في أعمارنا ، وفي بلادنا إنه سميع قريب مجيب ...

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون