البعد عن العصبية واغتنام الفرص والعشر
البعد عن العصبية واغتنام الفرص والعشر
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، القائل سبحانه وتعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ، وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ، فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً }آل عمران103. وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .. أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ، فاتَّقوا الله عباد الله ، فالتقوى زاد النجاة والسلامة ، والعزة والكرامة ، وبها يتفاضل الناس يوم القيامة { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }.
كَيْفَ الرَّحِيلُ بِلاَ زَادٍ إِلَى وَطَنٍ -- مَا يَنْفَعُ المَرْءُ فِيهِ غَيْرُ تَقْوَاهُ
مَنْ لَمْ يَكُنْ زَادُهُ التَّقْوَى فَلَيْسَ لَهُ -- يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذْرٌ عِنْدَ مَوْلاَهُ
يقول سبحانه وتعالى { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ }البقرة197
أيها الإخوة المؤمنون : إنّ الواجبَ المُلقى على عاتقِ كُلِّ واحد منا ، نحو بلده ومجتمعه كبير وعظيم ، ويتطلب بذل الجهد من الجميع ، للمشاركة في البناء والتعمير، ولا يكون بجهد أفرادٍ بعينهم ، هم الذين يُعْطُون وَيَبْذُلُونَ فقط ، فَالْحِمْلُ لا بد أن يتوزع على الجميع ، كلٌّ حسب مقدرته واستطاعته ، وخاصة في هذه الأيام ، التي تزداد فيها الواجبات أكثر من ذي قبل ، فهذه المرحلة حساسة وخطيرة ، والتقصيرُ في الواجب في مثل هذه الظروف، وفي ظل انتشارٍ واسعٍ للأسلحة بجميع أنواعها ، ووجودها في يد كائنٍ من كان ، يفتح مجالا واسعا للمخربين والمفسدين وللسفهاء ، للانتقام والتدمير وتهديد الناس بحقٍ وبغير حق ، ويزهق أرواح الناس بشكل مباشر وغير مباشر، وينشر الفوضى والإزعاج في كل مكان ،، ففي مثل هذه الظروف ، لا ينفع أن يكون الإنسان متفرجا ، ينظر ويراقب فقط، بل لا بد أن يكونَ فاعلا ومؤثرا ، يسعى بجهده وبكلمته لبناء بلده ، والوقوف جنبا لجنب مع إخوانه ، لتجاوز هذه المحن ، والمحافظة على أمن وسلامة وطنه ومواطنيه!!
إخوة الإيمان : كذلك المناداة بِالْقَبَلِيَّةِ ، وغيرها من مظاهر التعصب في هذا الوقت، له مظاهرُ سلبية ، ومسيئةٍ للوطن والمواطن ، خاصة إن خرجت عن إطارها الصحيح ، الذي جُعِلَت من أجله ، فالقبيلة وسيلة مساعدة للنهوض بالبلاد وبنائها وتعميرها ، وقد جعلها الله تعالى للتعارف والتواصل ، والتلاحم والتآزر والترابط ولم يجعلها سبحانه وتعالى ، للتعالى ولا للتكبر ولا للتسلط ولا للتفاخر ، يقول سبحانه وتعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى ، وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13 . فلا تفاخر ولا كرامة ولا عزة ولا نصر إلا بالتقوى ، فيجبُ نبذُ كُلِّ مظاهر التَّفْرِقَةِ وَالْقَبَلِيَّةِ والتعصب للقبيلة ، فهذا من عمل الجاهلية ، والإسلام لا يفرق إلا بالتقوى ، في مسند الإمام أحمد عَنْ أَبِى نَضْرَةَ قال ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِىٍّ عَلَى أَعْجَمِىٍّ، وَلاَ لِعَجَمِىٍّ عَلَى عَرَبِىٍّ ، وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ ». قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الحديث- فلا تتحركوا من أجل قبيلة أو جماعة أو أشخاص ، فهذه الأشياء كلها زائلة ، بل يجب أن تكون نيتكم وتحرككم من أجل بلادكم ، ومن أجل أبناء بلدكم جميعا ..
إخوة الإسلام والإيمان: كذلك سارعوا إلى أخذ مواقعكم ولا تتركوها لغيركم ، فليبيا للجميع ليست لقبيلة واحدة ، ولا لطائفة واحدة ، ولا لأشخاص معينين ، بل ليبيا لكل الليبيين ، وخيراتها تخص كل لليبيين ، لا أحد يَمُنُّ عليكم بخيراتها وثرواتها ، وينسب الفضل لشخصه ولنفسه فقط ، بل المنَّة لله وحده ، أن جعل بلادنا تنعم بخيراتٍ كثيرة ، ونعمٍ وفيرة ، وموقع متميز ، فحريٌ بكم أن لا يأخذكم الخوف ، ولا التردد في المطالبة بحقوقكم ، والمحاربة من أجلها ، وعدم تركها لأشخاص قليلين ليتحكموا في أرزاقكم وممتلكاتكم ، وصرفها على ملاذِّهم وشهواتهم وعائلاتهم فقط ، كونوا جميعا يداً واحدة في وجه هؤلاء ، ولا تتركوا لهم الفرصة لاستغلالكم ، واستعبادكم وسلب حريتِكم وكرامتكم ، ليس بأموالهم الخاصة ، وإنما بخيرات وثروات بلادكم التي سيسلبوها منكم، إن أنتم سمحتم لهم بأخذها ليقهروكم بها ،، وضعوا دائما نصب أعينكم ، أن اْلبلاد لا تبنى إلا بسواعد أبنائها المخلصين الصادقين الوطنيين ، ولا تبنى بالمجاملة والتطبيل والتزمير لبعض الأشخاص ، ولا تجعلوا هذه الخيرات وهذه الثروات ، سَبَبًا في هَلاَكِكُمْ وَنِقْمَةً عليكم بسبب ذنوبكم ،، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ ، وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً ، وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ ، فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ، وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ }الأنعام6 .. جعلنا الله جميعا لنعمائه من الشاكرين ، وحفظنا وحفظ بلادنا وجميع المسلمين ، من المفسدين والمخربين والظالمين ، إنه سميع قريب مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ...
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ : معاشر المسلمين : أيامٌ قلائلٌ تفصلنا عن الأيام العشر الأُوَّلْ لشهر ذي الحجة ، وهي من الأيام المباركة الفاضلة ، التي يستحب الإكثار فيها من الأعمال الصالحة ، وقد جاء في فضلها ، مارواه الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ ». فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ،إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَىْءٍ ». فعلى المسلم أن يحرص على اغتنام هذه الأيام ، والإكثار فيها من نوافل العبادات ، كالصلاة والصيام ، وقراءة القرآن ، والصدقة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وغيرها من الأذكار ، لقوله تعالى: { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } وقد فسرت بأنها أيام العشر، واستحب العلماء لذلك كثرة الذكر فيها ، لحديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ وَلاَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ ، مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ » رواه أحمد. وذكر البخاري رحمه الله عن ابن عمر وعن أبي هريرة رضي الله عنهما أنهما كانا يخرجان إلى السوق في هذه العشر ، فيكبرون ويكبر الناس بتكبيرهم . فيستحب رفع الصوت بالتكبير في الأسواق والدور والطرق والمساجد وغيرها ، لقوله تعالى : { وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } . وكذلك على من أراد أن يضحي ، أن يمسك عن شعره وأظفاره ، فقد روى مسلمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا رَأَيْتُمْ هِلاَلَ ذِى الْحِجَّةِ ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّىَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ ». وهذا النهي ظاهره أنه يخص صاحب الأضحية ، ولا يعم الزوجة ولا الأولاد ، إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه ، ولا بأس بغسل الرأس ودلكه ولو سقط منه شيء من الشعر... فاتقوا الله عباد الله ، ولا تغفلوا عن هذه الأيام ، وأكثروا فيها من التكبير والتهليل والتحميد ومن الصدقات ومن الأعمال الصالحة ، فإنها تضاعف فيها الأعمال ، وفقنا الله جميعا لاغتنام هذه الأيام ، وضاعف لنا فيها الأجور والحسنات ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء ..
ليست هناك تعليقات