الابتعاد عن الفتن
الابتعاد عن الفتن
الحمد لله ، الحمد لله يقضي ما يشاء ويفعل ما يريد، الحمد لله هو الرَّبُ المُتَصَرِّفُ ونحن العبيد، الحمد لله هو القاهر لمن يريد بما يريد، يبلوا بالسَّراء والضَّراء والشِّدة والرَّخاء والعافية والبلاء ، اللهم لك الحمد على ما قضيت ، ولك الشكر على ما أعطيت، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ، الفعال لما يريد ، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله ، الهادي إلى صراط الله الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، صلاة زكية طيبة مباركة وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الوعيد .. أما بعد فأُوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ، اتقوا الله تعالى وراقبوه ، عظموا أمره ولا تَعْصُوه ، وَتَبَصَّرُوا في هذه الأيام والليال ، فإنَّها مراحل تقطعونها إلى الدار الآخرة ، حتى تنتهوا إلى آخر سفركم ، وكلُّ يومٍ يمرُّ بكم ، فإنه يبعدكم من الدنيا ويقربكم من الآخرة ، فطوبى لعبدٍ اغتنم فُرَصَها بما يقرب إلى مولاه ، طوبى ! لعبدٍ شغلها بالطَّاعات وتجنَّب العصيان ، طوبى ! لعبدٍ اتَّعظ بما فيها من تقلبات ، طوبى ! لعبدٍ استدل بتقلُّباتها على ما لله فيها من الحكم البالغة والأسرار { يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ }النور44 . وصدق القائل :
الْمَوْتُ لاَ شَكَ آتٍ فَاسْتَعِدَ لَهُ -- إِنَّ اللَّبِيبَ بِذِكْرِ الْمَوْتِ مَشْغُولُ
فَكَيْفَ يَلْهُوا بِعَيْشٍ أَوْ يَلَذُّ بِهِ -- مَنِ التُّرَابِ عَلَى عَيْنَيْهِ مَجْعُولُ
إخوة الإيمان : من علم أن القبر أمامه ، والموتُ يطلبه ، لا يهدأ له بال ، ولا يطيب له عيش ، ولا يقر له قرار ، حتى يفوز برضا الله عز وجل ، وينال البشارة في الحياة الدنيا بما يسره ، وفي الآخرة بالجنة ونعيمها ، يقول سبحانه وتعالى { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ،لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } 62-64-يونس ، والمسلم الذي يريد هذه الخاتمة السعيدة ، عليه أن يضع هذا أمامه ويستشعره في كل وقت وحين ، ويكون ذلك رادعا له عن الخطأ وعن الظلم وعن الطغيان ، وإن وقع في شيء من هذا ، بادر وأسرع وعاد عن ظلمه وخطئه وطغيانه ، وتاب إلى الله عز وجل ، وابتعد عن كل ما يجلب الفتنة له أو لغيره ، وحرص على دفعها ودرئها والقضاء عليها ، خاصة وقت الشدائد والأزمات وانتشار الإشاعات ،، ومن ذلك كثرة القول على الناس بغير علم ، واتهامهم بالباطل أو بالخيانة أو عدم الوطنية ، بل ويصل الأمر من بعضهم إلى اتهام مناطق بأكملها ، دون التَّثَبُتِ مِنْ صحة ذلك ومن عدمه ، وكأن هذا المُتَّهم هو الشخص الوحيد الذي على الصراط المستقيم ، وغيره هو المنحرف والضال ، وقد يكون كل ذلك مجرد ظنون أو أقاويل بغير علم ، يقول سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ ، إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ }الحجرات12 . ومنها تأويل أحاديث الناس على غير وجهها وقصدها الصحيح ، أو تفسيرها تفسيرا خاطئا ، مما يثير الضغائن والأحقاد بين القلوب ، أو وصف فلان بأنه فاسق أو فاجر ، أو أن هذا الشخص في النار ولن يغفر له ، أو أنه لن يدخله الجنة ، وكأن هذا القائل ، مطلع على الغيب ، اسمع معي أيها المسلم إلى هذا الحديث ، وضعه دائما نصب عينيك ، روى الإمام مسلمٌ في صحيحه عَنْ جُنْدَبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَدَّثَ « أَنَّ رَجُلاً قَالَ وَاللَّهِ لاَ يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلاَنٍ ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ، مَنْ ذَا الَّذِى يَتَأَلَّى عَلَىَّ أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ ، فَإِنِّى قَدْ غَفَرْتُ لِفُلاَنٍ ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ ». فانتبه أيها المسلم ، لقولك وفعلك نحو إخوانك ، فقد يحبط عَمَلُكَ وأنت لا تشعر، وفي صحيح مسلم أيضا عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا ، يَهْوِى بِهَا فِى النَّارِ، أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ». بل وحتى إن كان له حسنات ، سيكون يوم القيامة مفلسا ، وستطرح عليه السيئات ثم يطرح في النار ، اسمع معي إلى قول حبيبنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، جاء في صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي ، يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ ».
لاَ تَحْقِرَنَ مِنَ الذُّنُوِبِ صَغِيرَهَا -- إِنَّ الصَّغِيرَ غَدًا يَعُودُ كَبِيرًا
كُلُّ الذُّنُوبِ وَإِنْ تَقَادَمَ عَهْدُهَا -- عِنْدَ الإِلَهِ مُسَطَّرًا مَسْطُورًا
فاتقوا الله عباد الله ، ولا يحقرن أحدكم من الذنوب شيئا وإن صغر ، فربما كان فيه شدة العذاب والعقاب ، ولا يحقرن أحدكم حسنة يعملها وإن قلت فربما كان فيها الرضا من الملك الوهاب ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً ، وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ، وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ ، وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ } آل عمران30 .. بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يعلم السر وأخفى ، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله ، نبي الرحمة والهدى ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه ، ومن سار على نهجهم واقتدى .. أما بعد . فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أن الله تبارك وتعالى ، مسائلكم عن الكبيرة والصغيرة ، والخفية والسريرة ، وعن كل ما قل ، وما دق وما جل ، في يوم لا يظلم فيه أحد ، يقول الله تبارك وتعالى { وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ، ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }البقرة281 . فاحذروا -أيها الناس- يومًا ترجعون فيه إلى الله, وهو يوم القيامة, حيث تعرضون على الله ليحاسبكم, فيجازي كل واحد منكم بما عمل ، من خير أو شر ، دون أن يناله ظلم ، فأعدوا لهذا اليوم واستعدوا ، فلن تجدوا إلا أعمالكم الصالحة . جعلني الله وإياكم في هذا اليوم من الآمنين ، وآنس الله روعتي وروعتكم يوم النشور ، وآنس وحشتي ووحشتكم في القبور ، إنه على ذلك قدير ، وأماتنا وإياكم على هذه الكلمة ، شهادة أن لا إله إلا الله محمدا رسول الله ..
ليست هناك تعليقات