المسلم الفاعل
كيف أكون مسلما فاعلا
الحمد لله الذي أنار بَصَائِرَ أُولِي النُّهى بهدي كتابه المُبين، وَأَضَاءَ جَنَبَاتِ نُفُوسِهِم بِسُنَّةِ خَاتِم النبئين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حَذَّرَ أُولِي الألباب من سوء الأخلاق ، والتَّرَدِّي في وَهْدَةِ ظُلْمِ النَّفس أو ظُلْمِ أَحَدٍ من الخلائقِ أجمعين ، وأشهد أن سيَّدنا ونبيَّنا وحبيبنا مُحَمَّدًا عبدهُ ورسُولُه، أَوْضَحَ معالمَ الطَّرِيقِ لِلسَّالكين، ونصح الأمَّة مُشْفِقًا حريصًا رؤوفًا رحيمًا بالمؤمنين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطَّاهرين وصحبه الطَيِّبِين، والتابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .. أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ، فَبِتَقْوَاهُ سُبْحَانَهُ تُرْفَعُ الدَّرجات ، وتُغْفَرُ السَّيِئَات ، وَبِهَا يَتَمَيَّزُ الْخَلْقُ عِنْدَ فَاطِرِ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ } .
إخوة الإيمان : كُلُّنَا يُنْشِدُ الأمن والأمان ، والرَّاحةَ والطُّمَأْنِينَةَ والاستقرار ، وهذا لا يتحققُ ولا يتأتَّى ، إلاَّ إذا عرف كلٌّ مِنَّا دوره ، والْتَزَمَ به كلٌّ حَسَبَ موقعه في هذا المجتمع ، فَلِكُلِّ النَّاس أعمالاً عليهم أن يقوموا بها وَيُؤدُّها ، ولا ينتظرون غيرهم لِيُؤَدِّيهَا عنهم ، علينا أن نبدأ من أنفسنا ومن داخلنا ، ومن بيوتنا ، فالموظف عليه أن يتوجه إلى عمله ، من تلقاء نفسه ، وكذلك الضابط والجندي ، والشرطي والمدرس والطالب والعامل ، والتاجر ، والمزارع ، وَغَيْرِهِمْ من أفراد المجتمع ، فمتى باشروا أعمالهم ، توفر عند ذلك الأمن وشعر المجتمع بالأمان ، فالبلاد لا تنهض ولا تتطور ولا تتقدم إلا بِكُلِّ أفرادها ، على الكُلِّ أن يشارك الكبار والصغار ، الرجال والنساء ، الشباب والأطفال ، حتى نبنيَّ بإذن الله بلدا مُسْلِمًا قويًّا متماسكا ، ينعم بالأمن والأمان والرخاء والازدهار، رافعين راية الإسلام خفَّاقة عالية ، حتى يُؤَمِنَنَا الله بعد خَوْفِنَا ، وَيُمَكِّنَ لنا دِينَنَا الذي ارْتَضَاهُ لنا ، وهذا وعدٌ من الله سبحانه وتعالى بتحقيق ذلك ، فيقول جلَّ في علاه { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ، لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ، وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ، يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ، وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }النور55 ..
إخوة الإسلام : إِنَّ الْمُسلم الحقيقي أين ما وُجِدَ ، وحيث ماحلَّ ، يَكُونُ له تأثيرٌ في المجتمع ، وَعُضْواً فعالاً في مُحِيطِه وبين جيرانه ، فهو لاَ يُخْرِجُ مِنْ فِيهِ إلا كلُّ طَيِّبٍ حَسَن ، داعيًا للخير والتعاون والتآلف والاتحاد والإحسان ، فهو كحامل المسك ينشر الروائح الزكية الطيبة للجميعِ من حوله ، كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم ، جاء في صحيح مسلم ، عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الْكِيرِ، إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ». فلتكن أيها المسلم ، ناشرا للخير أينما كنت وحيثما ما حللت ، ولا تكن نافخ كير ، يؤذي نفسه ويؤذي من حوله بروائحه الكريهة ..
إخوة الإسلام والإيمان : ثمَّ علينا إذا أردنا تغيير أنفسنا، أن لا نضع اللوم دائما على غَيْرِنَا ، ولا نَتَهِمَهُ بالتهاون والتقصير ، وَنُكِيلَ له التُّهم والأوصاف السيئة ، وكأننا مُبَرَّؤُونَ من ذلك ، ونحن المحسنون فقط والذين هم على صواب ، والآخر هو المخطئ دائما ، بل علينا أن نوجه اللَّوْمَ أولا ًإلى أنفسنا ، ولا نتكلم بصغة الجمع ، ونقول نحن مخطئون ومقصرون ومفسدون ، بل أقولُ أنا مقصر أنا مخطئ ، أنا مفسد ، وعليَّ أن أبدأ من ذاتي بإصلاح نفسي أولا ، فإذا فعلتُّ ذلك ، عندها فقط ، سأكون مؤثراً في بيتي ، وفي مجتمعي ومنطقتي ومن بعد ذلك في بلدي ، وأن لا أنتظر غيري ليختار لي ويوجهني كيفما شاء ، خطأً كان أو صوابا ، في سنن الترمذي عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَكُونُوا إِمَّعَةً ، تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا ، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا ، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا ، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلاَ تَظْلِمُوا ».. فالمسلم لا يكون إمعة ، والإمَّعة الذي لا رأي له ولا عزم ، بل على المسلم أن يكون دائما له رأي ، وله مواقف مع إخوانه المسلمين ، بعيدا عن ظلمهم ، لا يعامل الناس بالمثل ، بل يعطى من حرمه ، ويعفو عن من ظلمه ، ويصل من قطعه ، فهذا هو المسلم الحق ، الذي استوعب وطبق وصية حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء في سنن البيهقي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ، حَاسَبَهُ اللَّهُ حِسَابًا يَسِيرًا ، وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ ». قَالُوا : مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ :« تُعْطِى مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ ، وَتَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ ». قَالَ : فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَمَا لِى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ :« أَنْ تُحَاسَبَ حِسَابًا يَسِيرًا ، وَيُدْخِلَكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ ». وهذه الأعمال ، تحتاج منا إلى قهرٍ للنفس وانتصارٍ عليها ، فإذا أردت أيها المسلم ، أن ييسر الله عليك الحساب يوم القيامة ، ويدخلك الله الجنة برحمته ، عليك بتطبيق هذه الوصايا العظيمة ... ثُمَّ علينا إخوة الإسلام وفي هذه الأيام خاصة ، أَنْ نُعْلِيَّ وَنُعْلِنَ شِعَارَ الإصلاح ، هذه هي المهمة الملقاة على عاتق الجميع دون استثناء ، إنَّها الإصلاح ثم الإصلاح ، الإصلاح على كل المستويات ، إصلاحِ أنفسنا أولا ، ثم السعيَّ لإصلاح غيرنا ، ويتم ذلكَ بِتَوَكُلٍ على الله وبتوفيقٍ منه سبحانه، فليكن شعارُ كُلِّ واحدٍ فينا ، هو قوله سبحانه وتعالى { إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ ، وَمَا تَوْفِيقِيَ إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }هود88 .. فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واعلَموا أَنَّ مَنِ اعتَرفَ بِعُيوبِهِ وحاولَ إِصلاَحَها، أَعانَهُ اللهُ ، فَحقَّقَ ما أَرادَ، وبَلغَ المُنى والمُرادَ. نسأل الله سبحانه وتعالى ، أن يرينا عيوب أنفسنا وأخطائنا، ، وأن يوفقنا ويرشدنا إلى إصلاح هذه العيوب والأخطاء ، قبل إصلاح أخطاء غيرنا وعيوبهم ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء .. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ...
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : هذه دعوة لنفسي ، وللكل بدون استثناء ، أن يبدؤوا بتغيير أنفسهم اتجاه إخوانهم ومجتمعهم وبلدهم ، والسعي بكل طاقاتهم ، لبناء ليبيا ، وأن لا يتركوا الفرصة لغيرهم ، من المتسلقين والمارقين والمحبطين ، والمخربين والمرتشين ، الذين دمروا البلاد وأظهروا فيها الفساد ، فالبلاد لا تبنى إلا بالرجال الوطنيين المخلصين الأكفاء الأقوياء الأمناء ، الذين يحبون بلدهم وشعبهم ، أكثر من محبتهم لأنفسهم ، الذين يضحون بأرواحهم من أجل بلادهم وشعبهم ، الذين يعملون من أجل ليبيا ومن أجل الليبيين ، هؤلاء هم الذين يجب أن نلتف حولهم، ونبارك خطواتهم ومساعيهم وجهودهم ، فليبيا أمانة في أعناق الجميع ، والكل مسئول عنها . في صحيح البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالإِمَامُ الَّذِى عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ » . نسأل الله تعالى أن يعيننا على مسئولياتنا، وأن يجعلنا ممن يؤديها حق أدائها ، إنه نعم المعين ونعم النصير ..
ليست هناك تعليقات