الوقوف صفًا واحدا
الوقوف صفًّا واحدا
الحمد لله أمر بالاتحاد والتعاون والمعروف والإحسان، ونهى عن الفساد في الأرض بعد إصلاحها بالإٍسلام والقرآن، أحمده سبحانه وأشكره أنار بصائر أولي النُّهى بأنوار التوحيد والهدى والإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً نرجوا بها رحمة الرحيم الرحمان ، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله، أرشد الأمَّة إلى طريق السعادة ودخول روضات الجنان، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ، ما تعاقبت الليالي والدهورِ والأزمان .. أما بعد : فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ، والتَّواصي بالحق والتَّواصي بالصبر ، والتعاون على البر وفعل الخيرات ، يقول الله تبارك وتعالى { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } المائدة2 ..
إخوة الإسلام والإيمان : إنَّ الأُخُوَّةَ الإسلامية ، تُوجِبُ علينا التناصح والتناصر، والتواصي بالحق والصبر عليه، وتمنعُ الغش والظلم والخديعة ، والأذى بالقول والعمل، وتمنعُ الغيبة والنميمة والبهتان، كما تمنعُ المسلم أن يخذل أخاه ، أو يتهاونَ في مد يد العون عند حاجته إليه ، في صحيح البخاري عَنْ أَبِى مُوسَى - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا » . وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ عليهِ الصَّلاة والسلام . وهذه الأخوة تحتاج منا اليوم ، أن نترك خلافاتنا ونزاعاتنا وشقاقاتنا جانبا ، ونوحد صفنا - ونلتحم مع هذه الثورة المباركة ، ثورة الشباب ، ثورة السابع عشر من فبراير ، الشباب الذين ثاروا من أجل حريتهم وكرامتهم وعزتهم - ومن أجل عزة ليبيا وبنائها ورفعتها ومجدها فقط ، لا من أجل تمجيد أشخاصٍ زائلون ، فالمجد والحب والعزة لله ثمَّ للوطن { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحج40 وقد قرن الله سبحانه وتعالى بين حب الأرض وحب النفس في كتابه الكريم ، فقال سبحانه {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ، أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم ، مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ }النساء66 . ورسُولنا الكريم عليه الصلاة والسلام ، يعلمنا هذا الحب ، فعندما خرج من مكة التفت إليها وقال « وَاللَّهِ إِنَّكِ لأَخْيَرُ أَرْضِ اللَّهِ ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَوْلاَ أَنِّى أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ » رواه أحمد ... فحب ألأوطان غريزةٌ في نفس الإنسان ، والانتماء للوطن وللبلد أمر ٌغريزي ، وشعورٌ فطري فطر الله الناس عليه ، علينا أن نفخر ببلدنا ، ونحرص على سلامة بلدنا ، ونقف صفا واحد ، متعاونين مُتَّحِدِينَ لحمايتها ، وأن نحترم بعضنا البعض ، ونقضي على التفرق والخلافات ، وأن لا نسمح بأي تجاوزات أو خروقات في المستقبل ، سواءً كانت من أفراد أو جهات ، من شأنها أن تُثِيرَ الفُرقة ، والشقاق والنزاع بين أبناء البلد الواحد ، فهذا الوقت يحتاج منا إلى توحيد الصفوف ، وأن نَهُبَّ جميعا لحماية بلادنا وتأمينها، والمحافظة عليها من المخربين والمفسدين ، وذلك بالعودة إلى أعمالنا ومؤسساتنا ومحلاتنا وشوارعنا، حتى تتمكن بلادنا من التماسك ، وأن نحرص على عدم التخاذل والانكماش والوقوف في الظل ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ، مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ ، أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ ، فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ }التوبة38. فتوحيد الصفوف ، واجتماع الكلمة ، هي الدعامة الوطيدة لبناء بلادنا ، ودوام بقائها ، ونجاح رسالتها،، وَصَدَقَ النَّاصِحُ القَائِلُ لأبنائه :
كُونُــوا جَمِيعًا يَا بَنِيَّ إِذَا اعْتَرَى ----- خَطْبٌ وَلاَ تَتَفَرَقُــــــوا آحَادًا
تَأْبَى الرِّمَاحُ إِذَا اجْتَمَعْنَ تَكَسُّرًا ----- وَإِذَا افْتَرَقْنَ تَكَسَّرَتْ أَفْرَادًا
أيها الأخوة : إن القاعدة الأصيلة بين المسلمين ، أن يسعوا في كل أمر يؤلف بين قلوبهم ، ويجمع كلمتهم ، ويوحد رأيهم ، وأن ينابذوا كل ما يضاد ذلك ، من الفتَّانين الذين يسعون بين الناس بالفتنة والتفريق ، سواءً بين المناطق أو القبائل أو الأفراد ، أَغْلِقُوا آذانكم عن سماع الشائعات والإشاعات ، واحذروا من كل فتَّانٍ لئيم ، كونوا مفاتيح للخير ، مغاليق للشر ، ففي سنن الترمذي ،عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ هَذَا الْخَيْرَ خَزَائِنُ ، وَلِتِلْكَ الْخَزَائِنِ مَفَاتِيحُ، فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ، مِغْلاَقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ، مِغْلاَقًا لِلْخَيْرِ ». بهذا الذي ذكر المصطفى تُوزن الرجال ، وبه يُعْرف أهل النقص من أهل الكمال ، فكونوا رحمكم الله مفاتيح للخيرات ، مغاليق للشرور والآفات ، فمن كان منكم مُخْلِصًا لله ناصحا لعباد الله ، ساعيا في الخير بِحَسَبِ إِمْكانه ، فذاك مفتاحٌ للخير حائز للسعادة ، ومن كان بخلاف ذلك فهو مِغْلاَقٌ للخير ، وقد تحققت له الشقاوة ، فاتقوا الله عباد الله ، وكونوا وحدةً واحدة ، وغلبوا مصلحة مجتمعكم وبلدكم ليبيا على مصالحكم الشخصية ، أو مصلحة أي فرد مهما كان . فهذه دعوة صريحة وواضحة ، للم الشمل واجتماع الكلمة وعدم التفرق ، والحذر من الإشاعات ، والحذر من إشاعة الفوضى في المجتمع ،عن طريق السب والتجريح والتشهير العلني ، مما ينذر بفتنة عظيمة ، لا يعلم خطرها إلا الله سبحانه وتعالى ، في مسند الإمام أحمد ،عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى ». ثُمَّ قَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمُ » قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ الْبَاغُونَ للْبُرَآءِ الْعَنَتَ ».. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً }الأحزاب58 . بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه ، كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمَّدًا عبده ورسوله، نبي الرحمة والهدى ، صلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أولى الألباب والنهى ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وعلى نهجهم سار واقتدى ، وسلَّم تسليمًا كثيرا. أما بعد: فيا عباد الله ، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، وأوصيكم ونفسي بالوحدة والاتحاد ، والتخلُّقَ بأخلاق التسامح والعفو والصفح ، وعلينا أن نربي الأبناء والأجيال القادمة ، على حب ليبيا ، والدفاع عن ليبيا وعن حرية الليبيين ، وعن مكتسبات الليبيين ، وعدم التهاون والاستكانة والخنوع والذل ، وألا يفرطوا للحظة واحدة في حريتهم وفي عزتهم وفي كرامتهم ، ومن قبل ذلك في دينهم ، وألا يخدعوا من قبل أي إنسان ..
عباد الله : ثم إني أتوجه أخيرا ، من فوق هذا المنبر، بالشكر الجزيل وبالتقدير والاحترام ، لكل الموظفين الوطنيين المخلصين ، الذين حافظوا على عهدهم الشخصية ، داخل المصالح الحكومية والمؤسسات التعليمية ، وغيرها من الجهات العامة ، من حواسيب ومنظومات ، وأجهزة الكترونية ، وغيرها من الحاجيات المهمة ، التي تخص كل الليبيين ، حيث قاموا بوضعها في منازلهم ، وعرضوا أرواحهم للخطر ، وحافظوا عليها كما يحافظون على أنفسهم وأبنائهم وأعراضهم ، وهذا هو واجبهم نحو بلادهم وهو المتوقع منهم ، فلهم كل الشكر والتقدير والاحترام ،، نسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك فيهم ، وفي جهودهم ، وأن يحفظهم من كل سوء ومكروه إنه ولي ذلك والقادر عليه ..
ليست هناك تعليقات