جديد المدونة

ومن المعروف

ومن المعروف



الحمد لله رب العالمين ، وعد عباده الصَّالحين المصلحين الأجر العظيم ، إذا تمسَّكوا بكتابه المبين ، فقال سبحانه وهو أصدق القائلين { وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ }الأعراف170 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الإله الحقُّ المبين، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله ،أكملُ الخلقِ وسيِّدِ المرسلين ، صل الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والتَّابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيرا .. أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وطاعته { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم ، مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ ، وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً }النساء69 .
حضرات المسلمين: اعلموا أن مدار التقوى والفلاح على فعل الخير واجتناب الشر والفساد ، وعلى إخلاص الدِّين للمولى سبحانه وتعالى ، والإحسان إلى العباد ، فلقد قال من أُعْطِىَّ جوامع الكلام : عليه الصلاة والسلام « كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ » فيالها من كلمة عظيمة جامعةٍ للخيرات ، وياله من كلامٍ بليغٍ محيطٍ بأصناف البر والبركات ، فكما دخل في هذا الإحسانَ الدِّينِيَّ، يدخل فيه الإحسانُ الدنيوي ، وكما يدخل فيه المعروفَ بالْجَاهِ والمقال ، يدخل فيه المُعَاوَنَاتُ البدنية والإحسان بالمال ، وَيُتَنَاوَلُ المعروف إلى الصاحب والقريب ، والمعروف إلى العدو والبعيد ، فمن عَلَّمَ غيره علما ، أو أَهْدَى له نُصْحًا ، فقد تصدق عليه ، ومن نبهه على مصلحة دينية أو دنيوية ، أو حذره من مضرةٍ فقد أحسن إليه .
فيا أيها المسلم: لا تُحَقِّرَنَ من المعروف شيئا ، ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلق ، وتباشر جليسك بالبشاشة وحسن الخلق ، ولو أن تُفْرِغَ الدَّلْوَ لِلْمُسْتَقِي وَالْمُتَوَضِي ، ولو أن تعطي صلة الحبل، وتعير الإناء للمستجدي ، وكلما كانت العاريَّةُ أنفع ، كان أجرها أفضل ، ومن المعروف ، إماطة الأذى عن الطريق ، وعزل العظم والشـوكة وجميعَ ما يؤذي ، ومن المعروف ، هداية الأعمى في المساجد والطرق ،وهداية الحيران ، وأن تُسْمِعَ الأصم وتطعم الجـائع وتسقي الظمآن ، وتغيث المكروب واللهفان ، ومن المعروف ،إعانة أصحاب الحوائج من الأقارب والأباعد والجيران ، والعفو عمن ظلمك ومقابلة الإساءة بالإحسان ، ومن المعروف ، الدعوة إلى الطعام أو الشراب ، للأغنياء والفقراء والبعداء والأقراب ، وَسَمَاحُكَ لمن ينتفع بشيء من مِلْكِكَ من ماشية ونخل وأشجار ، بلبن أو حطب أو ثمار ، وإعانة المسلم بكتابة ، وعمل صنعة ونقل متاع ، ومن المعروف، بذل الفضل في المعاملات والمحاباة فيها ، فما شيء يترك ثوابه ولا يضاع ، ومن المعروف الإحسان إلى العمالة الوافدة ، التي تعيش بيننا ، والذين أقدمتهم الحاجة إلى هذه البلاد المباركة ، للعمل والبحث عن الرزق ، فمن المعروف الإحسان إليهم وعدم الإساءة لهم ، وإن من المعروف كذلك ، الإحسان للحيوانات ، ففي كل كبد رطبة أجر واكتساب للخيرات ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« بَيْنَما كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ – أي ببئر - قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ ،إِذْ رَأَتْهُ بَغِىٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِى إِسْرَائِيلَ ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا-أي حذائها- فَاسْتَقَتْ لَهُ فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ ». فهذه بغية زانية ، سقت كلبا فغفر الله لها ، بسبب معروف قدمته لهذا الحيوان ، رغم ما كانت عليه من الزنا والفحش ، فكيف بمن يفعل المعروف بإنسان مثله. ومن المعروف ، أن تبذل لغيرك دواء نافعا ، أو تباشره بطب ،أو تصف له حمية أو دواء ناجعا ، ومن المعروف أن تعين أخاك المسلم في قضاء حوائجه ، وما صعب عليه من أشغالٍ وأعمال ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَبَسُّمُكَ فِى وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِى أَرْضِ الضَّلاَلِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِىءِ الْبَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالْعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِى دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ ».
أيها المسلمون: لنكن أصحاب معروف ، دون انتظار الشكر من الناس ، وليقم كل فرد منا بواجبه ، وبمساعدة إخوانه بحسب استطاعته، ونتعاون على الخير ونشره ، ونبتعد عن الشر ونقطع دابر الفساد ، حتى نكون أمة صالحة نقية ، كمثل الجسد الواحد ، الذي عبر عنه عليه الصلاة والسلام بقوله « تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِى تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ، كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى » . فتعالوا إخواننا نتعاون على الخير، نبر كبيرنا ، ونرحم صغيرنا وضعيفنا ، ونتفقد حوائج بعضنا ، وينصح الواحد منا أخاه بالحسنى ، لكي تتم النعمة ، ويتماسك المجتمع ، وتستقيم أخلاقنا ، وينتشر الخير والبر ، ونفوز برضوان الله ، فكلما أوصلته أخي المسلم إلى الخلق ، من البر والإحسان والتكريم ، فأنه داخل في قوله جلَّ وعلا { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ، هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً }المزمل20. وفي قوله سبحانه وتعالى { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ ، أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }هود23 . اللهم اجعلنا من أصحاب المعروف ، ممن يتعاونون على البر والتقوى ، وممن يهدون بالحق وبه يعدلون ، إنه تعالى خير مسئول وأكرم مأمول ، ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..


الخطبة الثانية


الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الحمد في الآخرة والأولى ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، نبي الرحمة والهدى ، صلوات ربي وسلامه عليه ، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجهم واقتفى ، وسلم تسليما كثيرا . أما بعد : فيا عباد الله اتقوا الله ، واعلموا أنكم إخوة في دين الله ، وأن هذه الأخوة أقوى من كل رابطة وصلة ، فيوم القيامة لا أنساب بينكم ، والأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ، فَنَمُّوا أيها المسلمون هذه الأخوة ، وقوُّوا تلك الرابطة بفعل الأسباب التي شرعها الله لكم ورسوله ، واغرسوا في قلوبكم المودة والمحبة للمؤمنين ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« رَأْسُ الْعَقْلِ بَعْدَ الإِيمَانِ بِاللَّهِ التَّوَدُّدُ إِلَى النَّاسِ ، وَمَا يَسْتَغْنِى رَجُلٌ عَنْ مَشُورَةٍ ، وَإِنَّ أَهْلَ الْمَعْرُوفِ فِى الدُّنْيَا ، هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِى الآخِرَةِ ، وَإِنَّ أَهْلَ الْمُنْكَرِ فِى الدُّنْيَا ، هُمْ أَهْلُ الْمُنْكَرِ فِى الآخِرَةِ ». فاتقوا الله عباد الله وتناصحوا فيما بينكم ،وتواصوا بالحق وبالصبر عليه، وأطيعوا ربكم وتعاونوا على فعل الخير ، يقول جل وعلا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }الحج77 . هذا ثم وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه عموما ، بقوله تعالى ولم يزل قائلا عليما {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم وفقنا لطاعتك وخدمتك ، وما تحبه وترضاه ، اللهم نق قلوبنا من الحقد والحسد ، والطمع والبغضاء والمعادة ، اللهم أحسن ختامنا وتوفنا على كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله ، اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين ..

هناك تعليق واحد:

  1. عيدكم مبارك وكل العام والجميع في صحه وعافيه وبارك الله فيك ياشيخ سنوسي علي الخطب الرائعه القيمه ويهدينا جميعا لصالح الاعمال ان شاء الله
    محمد مصباح ـ وندزور اونتاريوا كندا

    ردحذف

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون