جديد المدونة

من ثمرات العيد { الأضحى }

من ثمرات العيد { الأضحى }


الحمد لله رب العالمين ، أفاض وأنعم وأعطى وتكرم ، نحمده بحق ونشكره بصدق ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، بفضله وواسع كرمه ونعمته ، أتمَّ علينا بهجة العيد ، وأشهد أن صاحب الرسالة الخاتمة سيدنا محمداً صلى الله وسلم عبده ورسوله ، رغبنا في كل خير ونهانا عن كل شر لنستقيم في حياتنا ، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة نزداد بها قربا وطاعة لله ورسوله ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .. أما بعد فيا أحباب الله : أوصيكم ونفسي بتقوى الله وذكره ففي الذكر طرد للشيطان وقمعه وكسره ، والذكر يرضي الرحمن عز وجل فلنداوم عليه . قال الله تعالى {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }السجدة17 .
عباد الله : لا نزال في نفحات عيد الأضحى المبارك ، ولْنُذَكِّرْ أنفسنا بحديث مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ احْتَبَسَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ غَدَاةٍ عَنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ حَتَّى كِدْنَا نَتَرَاءَى قَرْنَ الشَّمْسِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَرِيعاً فَثُوِّبَ بِالصَّلاةِ وَصَلَّى وَتَجَوَّزَ فِى صَلاَتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ « كَمَا أَنْتُمْ عَلَى مَصَافِّكُمْ ». ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْنَا فَقَالَ « إِنِّى سَأُحَدِّثُكُمْ مَا حَبَسَنِى عَنْكُمُ الْغَدَاةَ ، إِنِّى قُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ ، فَصَلَّيْتُ مَا قُدِّرَ لِى ، فَنَعَسْتُ فِى صَلاَتِى حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ ، فَإِذَا أَنَا بِرَبِّى عَزَّ وَجَلَّ فِى أَحْسَنِ صُورَةٍ ، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ، أَتَدْرِى فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى ؟ قُلْتُ لاَ أَدْرِى يَا رَبِّ. قَالَ يَا مُحَمَّدُ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى ؟ قُلْتُ لاَ أَدْرِى رَبِّ. فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَىَّ ، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ صَدْرِى ، فَتَجَلَّى لِى كُلُّ شَىْءٍ وَعَرَفْتُ ، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ فِى الْكَفَّارَاتِ. قَالَ وَمَا الْكَفَّارَاتُ ؟ قُلْتُ نَقْلُ الأَقْدَامِ إِلَى الْجُمُعَاتِ ، وَجُلُوسٌ فِى الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلاَةِ ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْكَرِيهَاتِ. قَالَ وَمَا الدَّرَجَاتُ ؟ قُلْتُ إِطْعَامُ الطَّعَامِ ، وَلِينُ الْكَلاَمِ، وَالصَّلاَةُ وَالنَّاسُ نِيَامٌ. قَالَ سَلْ. قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِى وَتَرْحَمَنِى ، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِى قَوْمٍ فَتَوَفَّنِى غَيْرَ مَفْتُونٍ ، وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِى إِلَى حُبِّكَ ». وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا وَتَعَلَّمُوهَا ». رواه الترمذي وغيره . ونقف يا عباد الله عند قوله صلى الله عليه وسلم « وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِى إِلَى حُبِّكَ » وقبل أن نشير إلى هذه الأعمال نُذَكِّرُ أنفسنا بقول القائل .
أترضى أن تكون رفيق قوم -- لهم زاد وأنت بغير زاد
فمن الأعمال التي تقربنا إلى حب الله ، وهي من بركات العيد ، التواصل بين ذوي الأرحام والتزاور ، فنرى الناس يأتون إلى بلدانهم وأماكن ميلادهم ، ويتحملون مشاق السفر ، من أجل صلة الرحم ، رؤية والديهم وإخوانهم ، وزيارة ذوي أرحامهم، والتعرف على أحوالهم ، ومشاركة أهل محلتهم أو مجتمعهم ، فرحة العيد المبارك ، قال تعالى { وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ، إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }الأنفال75 . وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ ، فَقَالَ لَهَا مَهْ . قَالَتْ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ . قَالَ أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ . قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ . قَالَ فَذَاكِ لَكِ » . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ } . رواه البخاري . ومن ثمرات العيد أن يبقى التواصل ولا ينقطع ، ومن ثمرات العيد ، أن يبقى التزاور وتبقى المحبة بين الناس والأحباب والأقرباء ، والسوءال عن الصحة والحال ، ولو عبر وسائل الاتصال المختلفة ، فإذا أحب أهل المجتمع بعضهم ،نشأت بينهم العلاقات الحسنة والحميدة ، وزالت الضغينة وزال الحسد، وقويت الأخوة الإسلامية بينهم ، قال تعالى { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } وأوصى سيدنا الرسول عليه الصلاة والسلام ، بكل ما من شأنه استمرار الأخوة والمحبة ، فقال عليه الصلاة والسلام « لاَ تَقَاطَعُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَكُونُوا إِخْوَانًا كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ ». رواه مسلم . وحرم صلى الله عليه وسلم الهجر والإعراض بين المسلمين ،لأكثر من ثلاث ليال ، لأنه كيف يهنأ ويشعر بطعم العيد وبركاته ، من لا يَقْبَلُ التسامح والعفو، ويرضى بالهجر والإعراض ، خاصة في الأمور أو الأشياء ، التي لا تستحق الهجر والقطيعة . لذلكم قال عليه الصلاة والسلام « لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا ، وَخَيْرُهُمَا الَّذِى يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ » روه مسلم . ومن ثمرات العيد ، أن لا يعود الهجر والإعراض بعد إلقاء السلام والتصافح بين المعترضين ، والمتهاجرين في المجتمع ، وتبقى المحبة بينهم ، وأن الحب في الله يجعل العبد يفوز بمحبة الله جل جلاله ، فمن منا لا يريد الفوز بمحبة الله عز وجل ، قال تعالى في حديثه القدسي « حَقَّتْ مَحَبَّتِى لِلْمُتَحَابِّينَ فِىَّ » رواه أحمد . والذي يقربنا من الله وحبه أيضا يا عباد الله: الكلمة الطيبة ، والكلمة الطيبة كما نعرف جميعا أنها كالشجرة الطيبة . وإياك يا أخي المسلم من الكلام غير الطيب الخبيث ، فإنه هلاك لصاحبه وذهاب مروءته ، وانحطاط مكانته بين أفراد بيئته ومجتمعه، ومحيطه العائلي والأسري ، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما { عامل أخاك بما تحب أن يعاملك به } أنت تحب أن يعاملك أخوك بالاحترام وبالتبجيل، وبالأدب وبالرفق وباللين ، فكن أنت الآخر كذلك، ولا تكن فظا ولا غليظ القلب ، وكن رفيقا في قولك رفيقا بالمسلمين ، قَالَ عليه الصلاة والسلام « مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ » رواه مسلم . ومن ثمرات العيد ،البقاء على الكلام الطيب ، ومجاهدة النفس ، والشيطان إذا أراد الإفساد ، ومن الأعمال التي تقربنا إلى الله ، ونحتاج إليها في حياتنا عامة وأعيادنا ، وننال بركتها { الْحِلْمُ } الحلم في المعاملة والكلام ، الحلم في الإصلاح ، والحلم معناه يا إخوة الإيمان : الصفح والعفو ، والصبر على أذى الآخرين ومضايقاتهم ، والإنسان لابد أن يعامل الناس ويخالطهم، فيحاول قدر الإمكان أن يكون حليما معهم ، والحلم خلق نبيل ، والله عز وجل من أسمائه الحسنى { الحليم } جل جلاله ، فالحلم يقرب القلوب ، فلنحاول أن نتصف به في العيد وغيره . ومن ثمرات العيد الاستمرار في الحلم، وإن صعبت المعاملة وتشعبت الحياة وتعقدت ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم « تَحْلُمْ عَلى مَنْ جَهِلَ عَلَيْكَ » . وجاء في الأثر { الحلم سيد الأخلاق } وقال تعالى { إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }فاطر41 . وقال القائل :
وما الحلمُ إلاَّ رَدُّكَ الْغَيْظَ فِي الْحَشَا -- وَأَخْذُكَ بِالْمَعْرُوفِ وَالصَّدْرُ وَاغِرُ
فاتقوا الله عباد الله : وهذه بعض ثمرات العيد التي قد سمعناها ، فلنتحلَّ بها دائماً ، لأن فيها الخير والبركة لنا ولأهل بيوتنا ، وبلادنا وأمتنا جميعا ، فلا ننسى هذه الخصال الحميدة ، ولنجعلها واقعا عمليا في حياتنا .. جعلنا الله جميعا من المتقين المحسنين ، ووفقنا للعمل بهذه الخصال والثمرات ، إنه سميع قريب مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ...

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، نعم المعين ، وأشهد أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، خير هاد إلى الحق المبين ، صل وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه الغرِّ المحجلين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . وسلم تسليما كثيرا . أمابعد فيا أحباب الله : قال تعالى {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }النحل128 .وقال تعالى {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ }البقرة152.
عباد الله : في الأيام العشر الأول من شهر ذي الحجة ، أعاننا الله على الذكر والصيام وأعمال البر ، وفي أيام العيد كذلك ، فعلينا أن نستمر على ذلك الذكر، حتى لا نكون من الغافلين ، ونحن جميعا نعرف مشاكل الحياة ، وصعوبتها وهمومها ، فمن فوائد الذكر، أنه يزيل الهم والغم عن القلب ، ويجلب له الفرح والسرور والانبساط ، والذكر كذلك يقوي القلب والبدن ، وينور الوجه والقلب ويجلب الرزق ، فلنحافظ على أذكارنا لكي نسعد في الدنيا والآخرة ، قال صلى الله عليه وسلم « لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ».. اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين ، واجعلنا هداة مهتدين، صالحين مصلحين. اللهم اغفر لنا وارحمنا ، وعافنا واعف عنا ، ووفقنا إلى فعل ما ترضى به عنا ، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، اللهم رضَّنا بقضائك ، وهب لنا حقيقة الإيمان بك ، حتى لا نخاف غيرك ، ولا نرجو غيرك ، ولا نحب غيرك ، ولا نعبد شيئاً سواك ، وأوزعنا شكر نعمائك ، وغطنا برداء عافيتك ، وانصرنا باليقين والتوكل عليك ، ونوِّر قلوبنا بنور صفائك ، وبشرنا يوم القيامة بين أوليائك ،واجعل يدك مبسوطة علينا وعلى أهلينا وأولادنا ومن معنا برحمتك يا أرحم الراحمين يارب العالمين ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات...

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون