يوم الحج الأكبر يوم عرفة
يوم الحج الأكبر يوم عرفة
الحمد لله رب العالمين ، فضل بعض أيام وليالي العام ، وخص منها يوم عظيم مبارك ، تنهمر فيه المغفرة والرحمة ، وهو يوم عرفات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل سبحانه وتعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }المائدة3 . وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله القائل عن دعاء يوم عرفة « أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ». صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ..
أما بعد فيا أحباب الله : لنحي قلوبنا بذكر الله ، ونبارك أقوالنا وأعمالنا بتقواه ، ففي الذكر والتقوى إصلاح لأحوالنا في الدنيا ، وفلاح ونجاح وفوز في الأخرى { وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ ، فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ }.
عباد الله : إننا نعيش هذه الأيام ، أياما شريفة فاضلة مباركة ، أودع الله جل جلاله فيها كثيرا من الأنوار والأسرار، والفضائل والخيرات ، فهنيئا لمن اغتنمها في طاعة ربه الكريم ، وكان فيها من المتقين المحسنين .
إخوة الإسلام : في هذه الأيام ، توجه الحجاج بسلامة الله وحفظه ، إلى الأراضي المقدسة المباركة ، توجهوا ليؤدوا الركن الخامس من أركان الإسلام ، ألا وهو الحج ، توجهوا لمحو الذنوب والسيئات ، لتحل محلها الحسنات ورفع الدرجات . فنسأل الله جلَّت قدرته وعظمته ، أن يكتب لنا حجةً وعمرةً وزيارة مثلهم ، توجه الحجاج إلى هناك، حيث يقومون بأركان الحج ركنا بعد ركن ،ومن هذه الأركان : الوقوف بعرفة ، حيث الدعاء والبكاء ،والاستغفار والذكر وقراءة القرآن الكريم ، فلا يتمُّ الحج إلا بالوقوف بعرفة .
أخي المسلم : تخيل نفسك وأنت في يوم عرفة ، وأنك واقف على أرض عرفات المباركة ،مع الحجاج الذين قدموا من كل بلدان المسلمين ، واقف تدعوا ربك وتستغفره من ذنوبك ، حيث تطلب رحمته ورضاه ، فاجعل في قرارة قلبك ونفسك ، أن هذا اليوم من أفضل الأيام التي يحب الله من عباده ،أن يعملوا فيه الصالحات ويكثروا فيه من العبادات ، ويستزيدوا من الخيرات ، ويقلعوا عن الذنوب والسيئات ، ويقبلوا بقلوبهم على باسط الأرض ورافع السموات ، فيوم عرفة من أشرف أيام الدنيا ، وأفضل يوم خلقه الله تعالى ، لأنه يوم عظيم ، وخيره عميم ، فيه تصفوا الأرواح ، وَتَطْهُرُ الأبدان ، وتنجلي القلوب ، وتتهذب النفوس.
فاغتنم أخي المسلم : يوم عرفة ، ولا تتركه يذهب وأنت لاهٍ عنه في الدنيا أو الغفلة . بل صمه فإن فيه الأجر العظيم ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ ، إِنِّى أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ وَالَّتِى بَعْدَهُ ». فلا تجعل أيها المسلم هذا اليوم يفوتك بدون صيام . . وإن كنا نرى كثيرا من الناس في يوم عرفة، منشغلون بشراء الأضاحي وغيرها من مستلزمات العيد ، فإنهم جميعا في أجر وخير، لأن مقصود الجميع طاعة الله وضاه ، وإننا بهذه المناسبة ، ننصح التجار الذين يقومون ببيع الأضاحي ، ونقول لهم إياكم والغش في البيع، وعليكم بتوضيح العيوب إن وجدت، فالمسلم الحق صادق في بيع وشرائه، وفي جميع معاملاته ، لا يغالي بالسعر ولا يبالغ في الثمن ، إنما يأخذ حقه ولا يستغل هذه المناسبة ، فيكلف إخوانه ما لا يطيقون . عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- :« رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى ، سَمْحًا إِذَا قَضَى ». فكونوا من المؤمنين الصادقين المحسنين ، الذين يحرصون على الأجر والمنفعة لإخوانهم المسلمين ، ثم انتبه أيها المضحي رعاك الله ، إلى ما يجزئ من الأضاحي، فالأضحية ، قربةٌ يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل، والله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، فينبغي أن تكون الأضحية، طيبة، وسليمة، وخاليةً من العيوب التي تنقص من لحمها وشحمها، ولذلك اشترط فقهاؤنا شروطا تتعلق بالأضحية ، أذكر لكم أهَمَّهَا: وهي أن تكون الأضحية من النعم ، وهي : الإبل والبقر والغنم ،، والضأن أفضل في الأضحية، لما روي عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ ، ضَحَّى النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا. والفحل أفضل من الخصي ، والخصي أفضل من الأنثى . وأقل ما يجزئ في الضحايا ، الجذع من الضأن وهو ما أتم ستة أشهر وقيل ثمانية، وقيل عشرة، وقيل ابن سنة كاملة ، فكلها جائزة ، وأما ما يجزئ من المعز ، الثني وهو ما أوفى سنة ودخل في الثانية دخولا بينا ، والثني من البقر وهو ما أوفى ثلاث سنين ودخل في الرابعة ، والثني من الإبل وهو ما أوفى خمس سنين ودخل في السادسة ،ويشترط في الأضحية كذلك السلامة من العيوب ، وذلك لحديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ مَاذَا يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم- « الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا ، وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا ، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا ، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِى لاَ تُنْقِى ». فلا تصح إن كان المرض شديد ، ولا البشم الشديد ، والجرب البين ، والجنون الدائم ، والعجفاء ، والعرجاء ، والعوراء التي ذهب بصرها، والبتراء التي لا ذَنَبَ لها، والبكماء ، والصمعاء وهي صغيرة الأذنين ، والبخراء منتنة رائحة الفم ، ومشقوقة الأذن إذا كان الشق يزيد عن الثلث، ويابسة الضرع ، ومكسورة قرن لم يبرأ ، فلتحرص أيها المضحي على أن تكون أضحيتك حسنة جيدة ، خالية من العيوب المانعة من الإجزاء .
إخوة الإيمان : اشكروا ربكم ،حيث أغناكم وهيأ لكم ما تذبحون وتأكلون ، فكلوا منها وتصدقوا على الفقراء والمساكين، وتهادو فيما بينكم ، حتى تعم الفرحة جميع المسلمين، ويدخل السرور إلى كل دار من ديار المسلمين، فيا أيها المسلمون إذا ضحيتم:{ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}. فنسأل الله تعالى أن يبارك في بيعنا وشرائنا ، وأن يوفقنا جميعا لفعل الخيرات ، ويغفر لنا الذنوب والسيئات ، إنه سميع قريب مجيب الدعوات . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ،إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد .. فاتقوا الله عباد الله، وكبروا الله على ما هداكم، وتقربوا إليه بذبائحكم، وعظموا شعائر دينكم، واجعلوها من أطيب ذخائركم، واجعلوا التقوى شعارًا لضمائركم وأعمالكم، فإن الله جل وعلا لا يقبل من العمل إلا من كان لوجهه خالصًا، قال الله تعالى: { لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} . هذا ونود أن نعلمكم في ختام خطبتنا أن صلاة العيد ستكون على تمام الساعة {10 . 8 } صباحا ... فنسأل الله تعالى أن ينعم علينا، ويجزينا أجر المحسنين، وأن يتقبل منا إنه هو السميع العليم، وله الحمد في الأولى والأخرى على ما أنعم وعلى ما أكرم وعلى ما من به وأعطى؛ إنه هو اللطيف الخبير. اللهم اهدنا للعمل بشرائع هذا الدين،واجعلنا من عبادك السامعين الطائعين، المقتدين بسنة سيد المرسلين، اللهم اغفر لآبائنا و أمهاتنا،واجعلنا وإياهم برضوانك من الفائزين اللهم افتح علينا حكمتك، و انشر علينا رحمتك، واجعلنا ممن توكل عليك فكفيته، واستهداك فهديته، واستغفرك فغفرت له، ودعاك فأجبته، يا مجيب الدعاء، يا عظيم الرجاء .. يا كريم العطاء، يا رحمان الدنيا والآخرة، نسألك اللهم عزة و رفعة للإسلام و المسلمين، وتثبيتا لقلوب المؤمنين على شرائع هذا الدين، واجعل اللهم بلدنا آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، يا أرحم الراحمين ...
ليست هناك تعليقات