أعمال عشر ذي الحجة
أعمال العشر من ذي الحجة
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله ، القائل صلى الله عليه وسلم- :« مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ ». يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرٍ ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيرا ،، أما بعد .. فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ، فاتقوا الله وعظموا شعائره { وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }الحج32.
أيها المسلم: اعمل لدنياك بقدر بقائك فيها، واعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها ، وإياك والتسويف ، فالموت أمامك ، والمرض يطرقك ، والأشغال تُتَابِعُك ، وحوادث الزمان ستفاجئك ، والخلاص بأمانٍ من ذلك كُلِّهِ ، أن تستعين بالله ، وتبادر إلى عمل الصالحات ، وتثمن الأيام الفاضلات ، وليس يخفاك فَضْلُ عشر ذي الحجة ، التي نحن الآن نقف على أبوابها ،، هذه الأيام ، التي أقسم الله بها في كتابه تبارك وتعالى ، فقال سبحانه { وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ} . فجدُّوا واجتهدوا ، فالأيام لا تنتظر الغافلين حتى يتذكروا ، ولا الغارقين في سباتِ نومٍ عميق حتى يستيقظوا .
للهِ قَوْمٌ شَرَوْا للهِ أَنْفُسَهِمْ ** فَأَتْعَبُوهَا بِذِكْرِ اللهِ أَزْمَانَا
أَمَّا النَّهَارُ فَقَدْ وَافَوْا صِيَامَهُمْ ** وَفِي الظَّلاَمِ تَرَاهُمْ فِيهِ رُهْبَانَا
أَبْدَانَهُمْ أَتْعَبَتْ فِي اللهِ أَنْفُسَهُمْ ** وَأَنْفُسٌ أَتْعَبَتْ فِي اللهِ أَبْدَانَا
ذَابَتْ لُحُومُهُمْ خَوْفَ الْعَذَابِ غَدًا ** وَقَطَّعُوا اللَّيْلَ تَسْبِيحًا وَقُرْآنَا
فأين المشمرون في ليلهم ونهارهم بالأعمال الصالحات ، المتنافسون بالخيرات والحسنات ، في هذه الأشهر والأيام المباركات . فإن أحب الأشهر إلى الله تعالى ، الأشهر الحرم ، وأحبُّ أَشْهُرِهَا إليه شهرَ ذي الحجة ، وأفضل أيام ذي الحجة العشر الأول . وهي أفضل أيام الدنيا ، كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : « مَا مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامٌ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ، وَإِنَّ صِيَامَ يَوْمٍ فِيهَا لَيَعْدِلُ صِيَامَ سَنَةٍ ، وَلَيْلَةٍ فِيهَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ».
وهذه وقفات ، لبعض ما يشرع في هذه الأيام من أعمال ، نستذكرها وإياكم في هذه الخطبة إن شاء الله تعالى ..
فأول هذه الأعمال :التوبة والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب ، والعزم على عدم العودة إليها ، حتى يترتب على هذه الأعمال ، العفو والمغفرة والرحمة ، فالمعاصي سبب البعد والطرد ، والطاعات أسباب القرب والود ، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم قَالَ « إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِىَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ».
وثاني هذه الأعمال : أداء الحج والعمرة ، وهو أفضل ما يُعمل ، وَيَدُلُّ على فضله ، عدة أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم : « الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا ، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ » . وعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قال ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ ، كَمَا يَنْفِى الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ ».
وثالث هذه الأعمال :هو صيام هذه الأيام ، أو ما تيسر منها – وبالأخص يوم عرفة – ولاشك أن جنس الصيام ، من أفضل الأعمال ، وهو مما اصطفاه الله لنفسه ، كما في قوله تعالى في الحديث القدسي : « الصَّوْمُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِى » . وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِى سَبِيلِ اللَّهِ ، إِلاَّ بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ». .
ورابع هذه الأعمال :التكبير والذكر في هذه الأيام ، لقوله سبحانه تعالى : { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } وقد فسرت بأنها أيام العشر ، واستحب العلماء لذلك ، كثرة الذكر فيها ، لحديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، أَنَّ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ ، وَلاَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ ، مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ ». وذكر البخاري رحمه الله ، عن ابن عمر وعن أبي هريرة رضي الله عنهم ، أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر ، فيكبرون ويكبر الناس بتكبيرهم ..
وخامس هذه الأعمال :كثرة الأعمال الصالحة ، من نوافل العبادات ، كالصلاة والصدقة ، وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحو ذلك، فإنها من الأعمال التي تضاعف في هذه الأيام ، فالعمل فيها وإن كان مفضولاً ، فإنه أفضل وأحب إلى الله من العمل في غيرها وإن كان فاضلاً ، حتى الجهادَ الذي هو من أفضل الأعمال « إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَىْءٍ ».
والسادس من هذه الأعمال :أنه يشرع في هذه الأيام ، التكبير المطلق في جميع الأوقات ، من ليل أو نهار إلى صلاة العيد ، ويشرع التكبير المقيد ، وهو الذي بعد الصلوات المكتوبة ، التي تصلى في جماعة ، ويبدأ من ظهر يوم العيد ، ويستمر إلى صلاة الفجر من اليوم الرابع .
وسابع هذه الأعمال : أنها تشرع فيها الأضحية ، يوم النحر وأيام التشريق ، وهي سنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، حين فَدَى الله ولده بِذِبْحٍ عظيم ، وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ ، ضَحَّى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّى وَيُكَبِّرُ ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ .
وثامن هذه الأعمال : أن يُمْسِكَ الْمُضَحِّي عن شعره وأظفاره ، فقد روى مسلم رحمه الله وغيره ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها ، أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا رَأَيْتُمْ هِلاَلَ ذِى الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّىَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ ». وفي رواية « فَلاَ يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلاَ مِنْ أَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّىَ ». ولعل ذلك تشبهاً بمن يسوق الهدي ، فقد قال الله تعالى : { وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } وهذا النهي ظاهره انه يخص صاحب الأضحية، ولا يعم الزوجة ولا الأولاد ، إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه .
فاتقوا الله عباد الله واغتنموا هذه الأيام بطاعة الله ، وبذكره وشكره وحسن عبادته . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيرًا طيباً مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، نبي الرحمة والهدى ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ، ومن سار على نهجهم واهتدى ، وسلم تسليما كثيرا. أما بعد :
أيها المسلمون : حري بالمسلم أن يستقبل مواسم الخير عامة بالتوبة الصادقة النصوح، وبالإقلاع عن الذنوب والمعاصي، فإن الذنوب هي التي تحرم الإنسان فضل ربه،" وتحجب قلبه عن مولاه . وكذلك عليك أيها المسلم : أن تستقبل مواسم الخير عامة ، بالعزم الصادق الجاد على اغتنامها بما يرضي الله عز وجل، فمن صدق الله صدقه الله : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } العنكبوت: 69. فيا أخي المسلم احرص على اغتنام هذه الفرصة السانحة ، قبل أن تفوتك فتندم، ولات ساعة مندم. وفقنا الله جميعا لاغتنام مواسم الخيرات، وأعاننا فيها على طاعته وحسن عبادته ، اللهم افتح مسامع قلوبنا لذكرك ، وارزقنا طاعتك وطاعة رسولك ، ووفقنا للعمل بكتابك وسنة رسولك ، اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ رَبُّ كُلِّ شَىْءٍ ، وَالْمَلاَئِكَةُ يَشْهَدُونَ أَنَّكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ، فَإِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَشِرْكِهِ ، وَأَنْ نَقْتَرِفَ سُوءًا عَلَى أَنْفُسِنَا ، أَوْ نَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ. « اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ بِكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ »....
ليست هناك تعليقات