جديد المدونة

الذوق الإسلامي {2}

الذوق الإسلامي { 2 }


الحمد للّه الذي خلق كل شيء فأحسن خلقه وترتيبه، وأدب نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم فأحسن تأديبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، القائل سبحانه {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله ،كان يقول صلى الله عليه وسلم « اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِى فَأَحْسِنْ خُلُقِى ». صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .. أمّا بعد: فأوصيكم عبادَ الله ونفسي بتقوى الله عزّ وجل ، فإنها نعمتِ الوصية، وأهلُها خير البريّة، من حقَّقها حقّق المراتبَ العليّة ، والمطالب السنيّة، وسلِم من كلّ فتنة وبليّة، واستوى عنده في هذه الدّنيا تِبرُها وترابها ، وعذبها وعذابها، {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ، وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18].
أيها الإخوة المسلمون : تحدثنا في الجمعة الماضية عن الذوق الإسلامي ، وتناولنا بعضاً من هذه الذوقيات، ونقف وإياكم مع ذوقيات أخرى ، في هذه الخطبة إن شاء الله تعالى ..
أيها الإخوة الكرام : إن الذوق شيءٌ رائعٌ وجميل، تميلُ إليه النَّفْسُ البشرية بطبيعتها ، فكُلنا نحب الذوق، وَنُعْجَبُ بذلك الإنسانِ الراقي، ذو الذوقِ الرفيع ، والحسِ المرهف ، وصاحب الكلمة الطيبة ، والابتسامة الصافية ، والخلُق الكريم ، فلماذا لا نكونُ نحنُ ذلك الإنسان، الذي يحرص على أن تكون ذوقياتُه راقية ، وأفعاله وأقواله جميلةٌ طيبة ، إِنَّنَا وللأسف في زمنِنَا هذا ، نفتقد كثيراً من هذه الذوقيات ، وتصدرُ منا تصرفاتٌ تجعلها منا براء، فمن الناس سامحهم الله لا يراعي هذه الذوقيات والتي منها، عدم احترام وتقدير مشاعر الآخرين ، في صحتهم وعافيتهم ، فلم يكتفي ذلك المدخن مثلا ، بالضرر لنفسه ، بل تعداه لغيره من إخوانه ، ولأسرته وقد يكونوا أولادا رضعا صغارا ، فهذا نوع من الاعتداء ، يرفضه الجميع ، حيث أنه يلحق الضرر بالآخرين، من غير وجه حق ، ويلزمهم استنشاق ما يُخْرِجُهُ من جوفه من سموم ، وهذا فيه إثم كبير ، وأذيةٌ للآخرين ، وهو بذلك يجعل نفسه تتصعد في الإثم ، بدرجةٍ كبيرة ، يصور لنا هذا المعنى ، حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يقول « مَنْ آذَى مُسْلِمًا فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ آذَانِي فَقْدْ آذَى الله » فانظر أخي المسلم ، إلى هذا التَّصَعُّد في الإثم ، واحفظ نفسك منه ، وراعي صحتك ، وصحة وعافية الآخرين من حولك ، فقد ثَبُتَ أن الذي يجالس المدخن ، يتأذى بثلث أخطار التدخين ، ولأنك أيها المدخن مسلما ، ودينك ينهاك عن هذه الأذية ، يجب عليك أن تراعي هذه الآداب ، وتلتزم بها ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ، في حديث رائع ، رواه البخاري ومسلم : « إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ ، تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ ». فالمدخن مثلاً يؤذي من حوله ، إذن بناء على هذا الحديث الصحيح ، تتأذى منه الملائكة ، فهل فكرت أيها المدخن وأنت المسلم ، أن صحتك ليست ملكك، وهي أمانة ائتمنك الله عليها ، ومنحك إياها، لتستعين بها على الحياة ، وأن ممارستك للتدخين ، خيانة لهذه الأمانة ، وسيسألك الله عنها ، وهل فكرت أنك تمثل جليس السوء ، الذي يؤذي جلساءه بِدُخَانِ سجائره، وأن لهم حق الانتصاف منك ، أمام الله سبحانه وتعالى ، استمع معي إلى هذا الحديث ، وافهمه بمعناه الواسع ، يقول عليه الصلاة والسلام « إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ ، إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الْكِيرِ، إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً ». فلا تكن يا أخي ، نافخ كير تخرج كل خبيث . نسأل الله تعالى أن يعافيَّ كل مبتلا بهذه الآفة المضرة ، وأن يقينا شر أنفسنا إنه سميع مجيب .
ثاني هذه الذوقيات في الطريق يقول النبي صلى الله عليه وسلم : « إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِى الطُّرُقَاتِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ ، نَتَحَدَّثُ فِيهَا. قَالَ « فَأَمَّا إِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ قَالَ « غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى ، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ ».


الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليمًا كثيرًا .. أما بعد .
 معاشر المسلمين : ومن الذوقيات الأخرى ، التي نتمنى أن نلتزم بها في مساجدنا ، وهي أكرمكم الله ، وضع الأحذية في أماكنها المخصصة لها ، وعدم تكديسها أمام أبواب المساجد ، في منظر غير لائق ، مما يجعل مرور المصلين صعبا ، وقد يتعثر فيها بعضهم ، وخاصة من كبار السن ، الذين يجدون صعوبة في السير وسط أكوام الأحذية ، كذلك قد تشتبه على بعض إخوانكم المصلين أحذيتهم ، فيخطئ في حذائه ، ويلبسُ حذاءً ليس له ، فالمسلم منظم ومرتب ، ولا يرضى بهذه المخالفات ، بأن يرمي كل حذاءٍ في اتجاه ، ثم يربك الناس عند الدخول والخروج ، وهذا من الأذى ، الذي امرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بإماطته ، حيث قال : عليه الصلاة والسلام « إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ » . فاتقوا الله عباد الله وضعوا نصب أعينكم هذه الذوقيات واحرصوا على الإلتزام بها واتخاذها منهجا تنتظمون عليه في حياتكم . ولنا عودة لذوقياتٍ أخرى ، في خطبة قادة إن شاء الله تعالى .. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الملتزمين بهذه الآداب الراقية ، وأن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه ، اللهم إنا نسألك زيادة في الدين وبركة في العمر وصحة في الجسد وسعة في الرزق وتوبة قبل الموت وشهادة عند الموت ، ومغفرة بعد الموت ، وعفوا عند الحساب ، وأمانا من العذاب ونصيبا من الجنة وارزقنا النظر إلى وجهك الكريم اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين واشفي مرضانا ومرضى المسلمين اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات ..





فهذا الإسلام يا أخي المسلم يضع لك منهجا .. للجلوس في الشارع مضطرا .. فهل نحن نراعي هذه الحقوق، أم أننا نرى التخريب والإفساد في الطرقات ، ولا نأمر بمعروف ٍ ولا ننهى عن منكر ، فمن هذه الذوقيات الغائبة عند بعض الناس ، عدم احترام إشارة المرور ، يخترقون بسياراتهم الإشارة الحمراء ، التي ما جعلت إلا لتنظيم السير فيما بينهم ، يخترقونها دون وازع من دين ولا ضمير ولا قانون ، يمرقون منها، وكأنهم قد حققوا انتصارا يفتخرون به ، فهل هذه أفعال المسلم ،صاحب الخلق والدين ، وصاحب الذوق الرفيع ، وهل هذا هو الأدب الذي علمه له الإسلام ، الذي ينهاه عن مثل هذه التصرفات المشينة الطائشة ، والتي قد تجعله يتسبب في حوادث مريعة ، تزهق الأرواح وتضيع والأموال ، فينال بذلك عقوبة الله عز وجل ، يقول صلى الله عليه وسلم- « الْمُسْلِمُ ، مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ». فكن مسلما مؤمنا بقولك وبفعلك ، حتى يأمنك الناس على دمائهم وأموالهم ، واحذر أن تأتي يقوم القيامة ، وفي رقبتك قتيل . استمع معي إلى هذا الحديث ، الذي يخلع القلوب ، يقُولُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ ، بِشَطْرِ كَلِمَةٍ ، لَقِىَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَكْتُوبٌ عَلَى جَبْهَتِهِ ، آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ». هذا من أعان ولو بجزء ٍمن كلمة ، فكيف بمن يتعمد ذلك . فانتبه يا من لا تحترم القوانين ، فقد تقع فيما يفسد عليك دنياك وآخرتك ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً، فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا، وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ ، وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }النساء93 . نسأل الله تعالى ، أن يحفظنا وإياكم من كل سوء ومكروه ، وأن يهد ضالنا وضال جميع المسلمين ، إنه سميع قريب مجيب .. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه نه هو الغفور الرحيم ...

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون