جديد المدونة

الذوق الإسلامي

الــذوق الإسلامي



الحمد لله رب العالمين، أيقظ الغافلين، ونفع بالتذكرة المؤمنين، عرفوا ما لربهم من الحقوق فقاموا بها، وما عليهم من الواجبات لخلقه فأدُّوها. وأشهد أن لاَّ إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل سبحانه وتعالى{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } وأشهد أنَّ سيِّدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله القائل صلى الله عليه وسلم عندما سئل أَىُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ قَالَ « مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ » . صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيرا . أما بعد .. فأوصيكم ـ عباد الله ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، فتقوى الله طريق النجاة والسلامة، وسبيل الفوز والكرامة، بالتقوى تزداد النعم وتتنزل البركات، وبها تُصرف النقم، وتُستدفع الآفات {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً، وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } الأنفال29 .
أيها الإخوة المؤمنون : إن الأخلاق في الإسلام ، من أصول الحياة الطيبة ، ويبقى المجتمع راقيا مابقيت الأخلاق ، ويذهب فانيا ماذهبت ، وما الأمم إلا أخلاقها ، وما الأقوام إلا بذات فعالها ، فالإسلام دين الفضائل ، وشرعةُ المكارم ، قال عليه الصلاة والسلام :« إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ ». وقال أهل العلم ، الدين كله خلق ، فمن زاد عليك بالخلق ، زاد عليك في الدين، فما من خلق كريم ، إلا وحث عليه الدين ، وما من خلقٍ ذميم إلا وحذر منه ، فالدين هو الذي يَرْسُمُ قواعد الأخلاق ويحدد معالمها ، ويرصد مقاييسها ويمجد مكارمها .. ومن هذه الآداب والأخلاق أيها الإخوة الأكارم : الذوق . ونقصد بالذوق : أدبيات التعامل مع الناس ، جمال التعامل بأشكاله المتعددة ، النفس المرهفة الجميلة ، الموقف الجميل ، التصرف الجميل ، الحركة الجميلة ، اللمسة الجميلة ، الكلمة الجميلة ، جمال النظام ، جمال النظافة ، جمال الأناقة ، جمال التناسق والانسجام ، جمال في البيت ، جمال في مكان العمل ، جمال في الطريق ، جمال في الأماكن العامة .. ونقصد بالذوق : النفس الشفافة التي تفهم الخطأ ، وتقدر وقوعها فيه من نظرة العين ، وابتسامة الوجه.
إن الحياء شعبة من الإيمان .. والحيي هو الذي يفهم خطأه من لمحة عابرة ، ونظرة حائرة .
الناس إخوة الإيمان أجناس فمنهم من أعتقد خطأً أن الذوق ، والأدب ، والخلق الرفيع ، والرّقي الحضاري .. كلُّ هذه قيمٌ غربية خالصة ، ولا تُكْتَسَبُ إلا في المدارس الأجنبية
ومنهم من تربى على الأدب والرقي والذوق ، وظنّ أن الإسلام عكس ذلك تماما ، فتراه حينما يسمع كلمة “ متديّن “ ينتظر منه عدم اللياقة .. وعدم النظافة .. وعدم النظام .. فصار الذوق عند هذا الإنسان الواهم ، حاجزا بينه وبين التديّن.
ومن الناس من ظن أن الإسلام في المسجد ليس غير.!!
وسيتأكد لنا فيما بعد أيها الإخوة : أن الذوق والأدب ، والرقي والحضارة ، والشفافية والجمال ، والنظافة والنظام ، هي أصولٌ كبيرة من أصول هذا الدين . إن الإسلام جاء لتنظيم الحياة ، وإدارتها والسمو بها ، فالإسلام هو الحياة الكاملة ، والإنسان المتديّن ، الذي فهم الإسلام عبادة شعائرية ليس غير .. صلاة وصياما وذكرا وتسبيحا وهو حريص على هذه العبادة فقط، ولكنه لم يفهم أن الذوق جزءٌ أساسي من أخلاق المسلم ، وأن الله لا يُرْضِيه أن يُؤْذِي الناس بكلمةٍ أو بتصرف ، فإذا عامل الناس بغلظة ، وبشيءٍ من عدم الذوق ، فتكون النتيجة أنه يَفْتِنُ الناس عن دينهم . فيصبحُ تَدَيُّنَهُ سببا لبعد الناس عن الإسلام ، وتجد من حوله يقولون : منذ أن تديّن أصبح فظا ، غليظا، غير مهتمٍ بمظهره .
ومن هذه الآداب والذوقيات لا ترفعوا أصواتكم .
فمن الذوقيات المفقودة في الشارع ، تلك الأصوات المزعجة لأبواق السيارات ، في كل الأوقات ، والتي يتفاخر بها أصحاب السيارات ، صغيرة كانت أو كبيرة ، فتجد صاحب المركبة يقف أسفل البيت ، وينادي ببوق مركبته ، من في الطابق العلوي ، بدلا من أن يصعد إليه ، يريح نفسه ويتعب الآخرين باستخدام آلة التنبيه .. فيأتي الإسلام ويرد للشارع ذوقياته المفقودة . يقول الله تعالى : وينبغي أن نفهم الآية على نحو موسع ، يقول سبحانه: { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ*وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ ، لَكَانَ خَيْرًا ، لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }. نعم .. إن الآية تتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنها تنظم وتهذب سلوكيات الناس. كذلك ما يفعله بعض الناس ، في الأفراح والمناسبة السعيدة ، من تشغيل للمسجلات ، وإطلاق أصواتها على أعلى درجة ، هو الآخر فيه من عدم الذوق وعدم الاحترام والتقدير ، وقد نهى الإسلام عن إقلاق راحة الناس وإزعاجهم ، والإساءة إليهم ، يقول عليه الصلاة والسلام ، واصفا المؤمن والمسلم والمهاجر فيقول صلى الله عليه وسلم « الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَبْدٌ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ». إن من حق الناس عليك أيها المسلم ، أن تحترمهم وتقدرهم ، وأن تراعي مشاعرهم وأحاسيسهم ، لأنك مسلم وعندك ذوق وأدب ، وإسلامك يفرض عليك هذه الآداب ، فلا تزعجهم بهذه الأصوات ، فمنهم النائم ، ومنهم الطالب الذي يدرس ، ومنهم المريض ، ومنهم الذي يصلي ، ويجب عليك أن تعلم ، أن الشارع ليس ملكك وحدك.
ثاني هذه الذوقيات فافسحوا يفسح الله لكم
ومن التصرفات العجيبة .. أنك تجد سائق السيارة ،لا يسمح للسيارة التي خلفه أن تتجاوزه . ويا الله كم قد وقع من حوادث مؤلمة بسبب هذا الفعل ، وإذا سألت من يفعله عن السبب لم يجب ، والأدهى من ذلك ، أن هذا التصرف أصبح عملاً لا شعورياً ، من كثرة ما تعوّد عليه ، فقد يكون من خلفك صاحب عذر ، لديه مريض ، أو لديه عمل مستعجل ، فالتمس لأخيك العذر ، وافسح له الطريق ، لأنك لن تخسر شيئا عندما تسمح له بالتجاوز ، ولأن الإسلام يعلمك الذوق في هذه المواقف. يقول الله تعالى : وينبغي أن نفهم الآية بمعناها الواسع . يقول سبحانه { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجْلِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} افسحوا ليس في المجالس فقط ، ولكن في الطرق .. افسحوا يفسح الله لكم .. إن من قلة الذوق ، أن تضيّق الطريق على الناس ، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " ثلاث يصفينّ لك ود أخيك “ .. منها “ وأن تفسح له في المجلس “ .
وإليك أخي المسلم هذا الموقف الجميل .. بينما كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ جاء رجل من الأعراب فتزحزح له النبي صلى الله عليه وسلم { بالرغم من أن المسجد لم يكن ممتلئا } فقال هذا الأعرابي وقد لفت نظره هذا التصرف : يا رسول الله لم تزحزحت ؟ إن في المسجد سعة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " حق على كل مسلم إذا جاء أخوه أن يتزحزح له “ . فمن يقول بعد هذا : خذوا الذوق وتعلموه من الغربيين ؟! فاتقوا الله عباد الله وكونوا من {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }الزمر18 أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وعظيم امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: إخوة الإيمان ومن الذوقيات إماطة الأذى عن الطريق ، فإن فعلت ذلك فهي لك صدقة ، فهذه هي آداب وهذه هي ذوقيات من يقول أنا مسلم ، فهل من الأدب والذوق بل ومن الإسلام إلقاء القمامة في الشارع ؟ تجد الرجل ينظر يمينا وشمالا ويقول في نفسه : هل يراني أحد ؟ ويبدأ يختلس النظرات ، كالذي يسرق شيئا ، ثم يلقي بالقمامة في الطريق ويذهب. يقول النبي صلى الله عليه وسلم : “ إماطة الأذى عن الطريق صدقة “ رواه مسلم . فما بالنا بمن يلقي الأذى في الطريق .. !! يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق “ . ومعنى ذلك أن إماطة الأذى عن الطريق جزء من الإيمان. فأين نحن من هذه الآداب والذوقيات التي نفتقدها في شوارعنا وفي بيوتنا ، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه ، وأن يجعلنا من الصالحين المصلحين ، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير ،، ولنا عودة بإذن الله لآداب وذوقيات أخرى في خطبة قادمة بعون الله .. هذا ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على خير الوجود، صاحب الحوض المورود ،النبي الأحمد المحمد المحمود ، فقد استهل ذلك المولى المعبود ،وثنى بالملائكة المقربين الشهود، وثلث بالمؤمنين الركع السجود فقال قولا كريما : إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ، اللهم صلي وسلم وبارك على الرحمة المهداة والنعمة المسداة ، نبينا محمد ابن عبد الله ،وارض اللهم عن آله الطاهرين، وصحابته الميامين، وزوجاته الطاهرات والتابعين.وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، واجمعنا معهم برحمتك يا ارحم الراحمين اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِى الأَمْرِ ،وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ ،وَنسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَنسْأَلُكَ حُسْنَ عِبَادَتِكَ ،اللهم إنا نسألك نفسا مطمئنة، تؤمن بلقائك وترضى بقضائك، اللهم إنا نسألك باسمك الطاهر الطيب المبارك الأحب إليك، الذي إذا دعيت به أجبت ،وإذا سئلت به أعطيت، وإذا اسْتُرْحِمْتَ به رَحِمْت ، وإذا اسْتُفْرِجْتَ بِهِ فَرَّجْت ، أن تفرج كروبنا ، وأن تغفر لنا ذنوبنا ، وأن تكفر عنا سيئاتنا ، وأن تغفر لنا وترحمنا ، إنك أنت الغفور الرحيم . اللهم توفنا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين ، واغفر لنا ولولدينا ولجميع المسلمين ، اللهم هب لنا ما وهبته لعبادك الأخيار ، وأنظمنا في سلك المقربين الأبرار ، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ...





ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون