جديد المدونة

موقف المسلم من الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم

 

موقف المسلم من الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ([1])، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمداً عبده ورسوله نبيٌّ شرح الله صدره ، ورفع ذكره ، ووضع وزره ، وأعلى في العالمين قدره ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فأوصي نفسي وإيَّاكم بتقوى الله جلَّ وعلا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾([2]).

معاشر المسلمين : إنَّ مقام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عظيم، وإنّ محبتَه ليست كمحبة أي شخص كائناً من كان، ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كمّله ربه الكمال البشري؛ واصطفاه لختم الرسالات؛ وبعثه للناس كافة بالرحمة والهداية، فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم عبادةٌ عظيمةٌ ؛ نَتَعَبَّدُ بها لله عز وجل؛ وقربةٌ نتقرب بها إلى الله، فهي أصل عظيم من أصول الدين؛ ودِعامةٌ أساسية من دعائم الإيمان؛ كما قال تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾([3])، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ »([4]).

عباد الله: إنَّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قد ضربوا أروع الأمثلة في صدق محبتهم له، فهذا أبو بكر رضي الله عنه ، يسبقه إلى الغار يوم الهجرة ، فَيَسُدُّ كل ثقب وفتحةٍ في الغار، ويبقى ثقب يُغلِقه بقدمه، فيُلدغ رضي الله عنه ، والنبي صلى الله عليه وسلم نائم على حجره ، حتى تسقط دموع أبي بكر من الألم على وجه النبي صلى الله عليه وسلم .

وهذا صاحب من أصحابه يغتمّ ويهتمّ لما فكّر بأنه لن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة ، لأنه سيكون في مكانةٍ أرفعَ منه في الجنة، فأنزل الله: ﴿ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا([5]). وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ فَقَامَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الصَّلاَةِ فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ « أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ قِيَامِ السَّاعَةِ ». فَقَالَ الرَّجُلُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « مَا أَعْدَدْتَ لَهَا » قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صَلاَةٍ وَلاَ صَوْمٍ إِلاَّ أَنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ». قال أنس ، فَمَا رَأَيْتُ فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ الإِسْلاَمِ فَرَحَهُمْ بِهَذَا([6]) .

عباد الله:  كيف لا يكونُ صلى الله عليه وسلم أحبَّ الخلق إلينا ، وهو أحبُّ الخلق إلى الله تعالى ؛ فقد اتخذه الله خليلا ؛ وأثنى عليه ما لم يثن على غيره من الخلق جميعا.

كيف لا يكونُ صلى الله عليه وسلم أحبَّ الخلق إلينا؛ وحبُّه من أصول إيماننا بربنا.

كيف لا يكونُ صلى الله عليه وسلم أحبَّ الخلق إلينا؛ وهو أشرفُ الناسِ؛ وأكرم الناسِ؛ وأطهر الناسِ؛ وأعظم الناسِ في كل شيء.

كيف لا يكونُ صلى الله عليه وسلم أحبَّ الخلق إلينا؛ وهو يحبُّنا ويشفقُ علينا؛ حتى إنَّه صلى الله عليه وسلم أَرْجَأَ اسْتِجَابَةَ دعوتِه شفاعةً لأمته يوم القيامة، يقول تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾([7]). كيف لا يكون صلى الله عليه وسلم أحبَّ الخلق إلينا؛ وقد بذل جهده الكبير في دعوةِ أمته؛ وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، يقول تعالى ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ([8]).

عباد الله: ، ولقد حذّر الله جل وعلا العباد من أذية نبيه صلى الله عليه وسلم ، وكتب على نفسه حمايتَه والدّفاعَ عنه ، وحفظَه ونصرتَه ، وخذلانَ من تعرض له وإهلاكَه ، وخسرانَه في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ([9])، وقال سبحانه ﴿ إِنَّا كَفَينَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ([10]). وهذا وعدٌ حقٌ ووعدٌ صدقٌ من الله تعالى لرسوله وخليله صلى الله عليه وسلم أن لا يَضُرَّه المستهزئون، وأن يكفيَه إياهم بما شاء من أنواع العقوبة ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً ([11]).

عباد الله: إنَّ الواجب علينا في ظل هذه الهجمة الشرسة على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، أن نهبّ للدفاع عنه، والذبِّ عن عرضه، وتوقيره وتعزيره ونصرته، ولئن كان الله قد تكفل بالدفاع عنه صلى الله عليه وسلم ، إلا أن واجب النصرة يُحَتِّمُ علينا الدفاع عنه لعظم مكانته في قلوبنا، وما له من حقٍ علينا، فما من خيرٍ أصابنا إلاَّ ولهُ مِنَّةٌ علينا به؛ ولئن كُنَّا ندافع عن نبينا اليوم ، فلِعلمنا بأن الطعن في صاحب الشريعة هو طعنٌ في الشريعة ذاتها.. ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ([12]). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه ، إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق التقوى ، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.

عباد الله : إنَّ لهذا النبي العظيم علينا حقوقًا، أَعْظَمَها الإيمانَ به واتباعَه ، ومحبتَه وتوقيرَه وتَعْزِيرَه ، والتمسّكَ بسنته ولزومَ منهجِه وطريقتِه ، والدفاعَ عنه وعن دينه وَشِرْعَتِهِ ، وذلك يوجب صون عرضِه بكل طريق، وأن نكف ونزجر كُلَّ من يسعى لذلك ، وأن نجابههم بما نستطيع، وأن نتولّى الدِّفاع عنه وبيان صورتِه الصحيحةِ ، بذكر سيرتِه العطرة ، وأن نربّي أنفسَنا وأبنَاءنَا على ضوء سنته وسيرته،  ونسيرَ على منهاجها. وعلى كل واحد منا أن يقدّم ما يستطيع ، في سبيل الدفاع عن إمامه وقدوته وسيده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، بالكلمة والكتابة والدعوة ، وقبل ذلك كُلِّهِ التَّمَسُّك بشريعته ولزوم منهجه واتباع هديه. ﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا ، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ([13]).

يا من هديتم بالنَّبي محمدٍ

                     سيروا بهدي نبيكم تعظيماً

وإذا سمعتم ذكره في مجلسٍ

                       صَلُّوا عليه وسلموا تسليماً

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً([14]). اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد ، وارض اللهم عن آله وصحبه أجمعين ، وعنَّا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين  . اللهم عليك بمن آذى نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمداً صلى الله عليه وسلم ، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك ، اللهم ارزقنا اتباعه، والتمسكَ بهديه، والعملَ بسنته، وأكرمنا بشفاعته، وأَوْرِدْنا حوضه، وارزقنا مُرافَقتَه في الجنة بمنِّك وفضِّلك يا أكرم الأكرمين . اللهم اجعل بلدنا ليبيا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم احفظ بلادنا وبلدان المسلمين ، احفظ اللهم أرضنا وأهلها ، واحفظ اللهم شبابنا ، واحفظ اللهم دماءنا ، واحفظ اللهم حدودنا ، واحفظ اللهم خيرات بلادنا ، اللهم توفَّنا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين ، واغفر لنا ولولدينا ولجميع المسلمين


([1]) آل عمران: 31 .

([2]) آل عمران 102 .

([3]) الأحزاب: 6 .

([4]) رواه البخاري .

([5]) النساء:69 .

([6]) رواه الترمذي .

([7]) التوبة: 128 .

([8]) الأحزاب43

([9]) المائدة:67 .

([10]) الحجر:95 .

([11])

([12]) الأعراف157 .

([13]) التغابن8 .

([14]) الأحزاب 56 .



ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون