أين نحن من خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم
أين نحن من خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحمد لله الذي منَّ على هذه الأمَّةِ ببعثَةِ
خيرِ البرايا ، وجعل التَّمَسُّكَ بِسُنَّتهِ عصمةً من الفتن والبلايا ، أحمده تعالى
وأشكره ، وأتوب إليه وأستغفره ، وأسأله الثَّبات على السُّنَّة والسَّلامة من المحن
والرَّزايا ، وأشهد أن لاَّ إله إلا الله وحده لا شريك له ، عَالِمُ السَّرِ والخفايا
، والمُطَّلِعِ على مكنون الضمائر والنَّوايا ، وأشهد أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا وحبيبنا
وقدوتنا مُحَمَّداً عبده ورسوله ، كريمُ الخصال وشريفُ السَّجايا ، والمجبولِ على معالى
الشَّمائلِ والمعصُومِ من الدَّنايا ، عليه من الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه ، أفضل
الصلواتِ وأزكي التسليماتِ وأشرفُ التَّحايا ..
صَلَّى عَلَيْكَ اللهُ يَا عَلَمَ الْهُدَى
وَاسْتَبْشَرَتْ بِقُدُومِكَ
الْأَيَّامُ
هَتَفَتْ لَكَ الْأَرْوَاحُ مِنْ أَشْوَاقِهَا
وَازَّيَّنَتْ بِحَدِيثِكَ الْأَقْلاَمُ
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصي نَفْسِي وإيَّاكُمْ
بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ، يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ
، وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ، وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ ﴾([1]).
معاشر المسلمين : كُلَّ مَا حَلَّ بنا شهرُ ربيعٍ الأول
، إلاَّ وحلت معه تلك الذكرى العظيمة ، التي تبتهج بها القلوب ، وَتُسَرُّ بها النفوس ، وهي ذكرى
مولد خير الأنام ، نبينا محمدٍ عليه أفضل الصلاة وأزكى السَّلام ، الذي منَّ الله
به على المؤمنين ، فقال تعالى ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ
فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ ، يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ، وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ
مُّبِينٍ ﴾([2]).
أحباب المصطفى صلى الله عليه وسلم :
في ذكرى المولد النَّبويِّ الشَّريف ، ما أحوجنا في عصرنا هذا ، الذي
اختلفت فيه الأهواء ، وتعددت المشارب ، وكثرت النزاعات ، وسادت الأنانية ، وكثر
الهرج ، ما أحوجنا ونحن في هذا العصر ، إلى الاقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم ،
امتثالا لقول الله تعالى ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ
لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾([3]).
أخي المسلم:
فلنتساءل ونحن نستقبل ذكرى المولد النبوي الشريف، ما مَوْقِعُنَا اليوم من سنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم ؟ أين نحن من خلق رسول الله ؟ كيف لنا أن نُقَيِّمَ حُبَّنا لرسول الله صلى الله
عليه وسلم، وقد انتشرت من حولنا الأسقام والفواحش وَفَسَدَتِ الأخلاق ، وظهر في المجتمع
استباحة دماء المسلمين ؟ وكيف لنا أن ندعي حُبَّنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ونحن في غفلةٍ دائمة ، وَلاَ نُخْلِصُ أعمالنا لله ، وَنُظْهِرُ عُيُوب الناس وننسى
عُيُوبنا ، نُصِرُّ على المعاصي ونشتغل بالتَّسْويف في الطاعات ، ابتعدنا شيئا فشيئا
عن جوهر الدِّين ، وعن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يَظْلِمُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ
وَيَظْلِمُ غيره ، أَغْوَتْهُ الدُّنيا ونسي الآخرة ، يَعُقُّ والديه ولا يَسْلَمُ
الجار من بوائقه ، وأصبح الصغير لا يوقر الكبير، ويتكبَّر بعضنا على البعض ، وانتشرت في مجتمعنا الصفات
المذمومة ، كالسِّحر والشَّعْوذة والزِّنا ، والبعض تجارته الغش والحقد والحسد والغيبة
والنميمة والكذب ، وبعضنا لا يُحْسِنُ معاملة ذويه ، ولا يؤدِّي الأمانات ويشهد بالزُّور
، ولا يُزَكِّي أموله ، وآخر يأكل حقوق المواريث وأموال اليتامى والمسلمين بغير حق
، وَغَيْرِهِ من المنحرفين يتصيَّد الناس في الشوارع ، ليغتصب الأموال والسيارات وفي
أحيانٍ كثيرةٍ يقتل أصحابها ، وكيف لنا أن نجزم أننا نحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، ولم نؤدِّي أعمالنا ومسئولياتنا كما يجب ، ضاعت مصالح الناس ، في الجهات
الحكومية وفي المصارف وفي غيرها من المؤسسات ، وربنا سبحانه وتعالى يقول ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ
أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾([4]). ويقول عليه
الصلاة والسلام « اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ
، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ ، وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ
فَارْفُقْ بِهِ »([5]).
إخوة الإيمان
: نسائل أنفسنا هل نحن فعلاً على خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن
نعيش في هذا المجتمع ، ونرى وننظر إلى ما فيه من شرور وإفساد ، تارةً بالأفكار المسمومة
عبر الإعلام وعبر وسائل التواصل المختلفة ، وهذا التقاتل والتناحر عبر هذه الصفحات
، والتي تثير الفتن وتزيد من الانشقاق والتفرق . وتارةً أخرى بالخمور والمخدرات وبالرذيلة
، وغيرها من وسائل التَّدمير والإفساد ، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يحذِّرنا من
هذه الأعمال ، التي تجلُبُ الخراب والدَّمار في المجتمعات ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ،قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم فَقَالَ « يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ
وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ ، لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِى قَوْمٍ
قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ ، وَالأَوْجَاعُ
الَّتِى لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِى أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا. وَلَمْ يَنْقُصُوا
الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ، إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ
، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ . وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ
مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ، وَلَمْ
يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ ، إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِى أَيْدِيهِمْ . وَمَا لَمْ تَحْكُمْ
أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ
اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ »([6]).
فلنحذر يا عباد الله من هذه المخالفات ، التي تعرضنا لسخط الله وغضبه وعذابه وسوء
عقابه ، يقول سبحانه وتعالى﴿
قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ
مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ
انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾([7]).
نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزلل، وأن يجنبنا
سخطه وعقوبته، إنه سميعٌ قريب مجيب الدعاء ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى ، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى ، أما بعد : فيا عباد الله : إنَّ الاحتفال الحق بميلاد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، هو احتفالٌ بعظمةِ رسالة الإسلام ، وبالقيم الرفيعة ، التي أرسى دعائمها القرآن الكريم ، والتمسك بالمنهج القويم ، بعيدا عن العادات الفاسدة ، واستعمال الأساليب والممارسات الخاطئة ، كإطلاق الأعيرة النارية ، والمفرقعات والمتفجرات ، والتي لا علاقة لها بهذه المناسبة ، فهي مظاهرُ تُبْعِدُنا كثيرا عن جوهر الاحتفال بهذه الذكرى ، وهي وسيلةٌ من وسائل الضجيج والفوضى ، من شأنها التأثير على استقرار وأمن بيوتنا وعائلاتنا، التي يجب أن تعيش هذه المناسبة، في صفاء وود وحبٍ ووئام .. فلنتق الله عباد الله ، ولنتجنب كل هذه الممارسات الخاطئة ، ولنتتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونسير على خطاه ، ولنكن نماذج حيَّةً لمناقبه، ومحامده وأخلاقه ، حتى يَعْرِفَ الناس فَضْلَهُ وَسَبْقَهُ، فلا تشوهوا صورته ، وَتَنْتَقِصُوا من عظمته ، وانصروا دينه ووقروا سيرته ، واشكروا الله الذي منَّ علينا بنبوته ورسالته ، ولنتبع النور الذي انزل معه ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾([8]). نسأل الله سبحانه وتعالى ، أن يعيد علينا هذه المناسبة أعواما عديدة ، وأزمنة مديدة ، ونحن في فرحٍ وسرور، وأمن واستقرار واطمئنان .عباد الله صلوا على رسول الله ، صلُّوا على خير البريَّة، وأزكى البشريَّة ، نبينا وحبيبنا وشفيعنا محمد ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾([9]). اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا ونبينا محمد وارض اللهم عن آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. اللهم اجعلنا ممن يمتثلون أمرك، وممن يتبعون سنة نبيك و يموتون على ملته و يحشرون في زمرته اللهم ارزقنا شفاعة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم اسقنا من يده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا ، اللهم اجعل بلدنا ليبيا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم احفظ بلادنا وبلدان المسلمين ، احفظ اللهم أرضنا وأهلها ، واحفظ اللهم شبابنا ، واحفظ اللهم دماءنا ، واحفظ اللهم حدودنا ، واحفظ اللهم خيرات بلادنا ، اللهم توفَّنا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين ، واغفر لنا ولولدينا ولجميع المسلمين
ليست هناك تعليقات