يوم عرفة
الموضوع /يوم عرفة
إنَّ
الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفُسِنا
ومن سيِّئات أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، اللهم
لك الحمدُ كما ينبغي لجلالِ وجهِك ولعظيمِ سُلطانِك.
لك
الحمدُ حمدًا نستلِذُ به ذِكرًا
وإن نَّكُ لا نُحصِي ثَنَاءً ولا شُكرًا
لك
الحمدُ حمدًا طيِّبًا يَمْلأُ السَّماء
وأقطارَها والأرضَ والبَرَّ والبحرَا
وأشهدُ
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُهُ ورسولُه،
القائل صلى الله عليه وسلم « أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ
مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ
لاَ شَرِيكَ لَهُ »([1]).
صلَّى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى
يوم الدين ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا . أما بعد: فأوصي نفسي وإيَّاكم بتقوى الله القائلِ
سبحانه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾([2]).
عليكَ
بتقوَى اللهِ في كُلِّ أَمْرِه
تجِدْ غِبَّها يوم الحسابِ المُطوَّلِ
ولا
خيرَ في طُولِ الحياةِ وعَيْشِهَا
إذا أنت منها بالتُّقَى لم
تَرَحَّلِ
معاشر المسلمين :
يوم عرفة هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، قال صلى الله عليه وسلم :« الْحَجُّ عَرَفَةُ
. »([3]).
فهو من أهمِّ أركان الحج ، وفيه يقفُ الحُجّاج ؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم « وَقَفْتُ
هَا هُنَا بِعَرَفَةَ وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ .»([4]).
ومع شروق هذا اليوم ، يخرج الحاج من مِنَى متوجهاً إلى عرفة ، جموعٌ تكتسي بالبياض
في يومٍ ليس كَكُلِّ الأيام ، إنَّهُ يومُ المباهاة والفخر في السموات، ركن الحجِّ
الأكبر، اليوم المشهود، خيرُ يومٍ طلعت فيه الشمس ، مناظر أفراد الحجاج وهم يتوافدون
إليه ويتجولون في رحابه، وقد بدت عليهم ملامح السكون والخضوع والاستسلام ، يسعون إلى
ما هو خيرٌ من الدنيا وما فيها ، إلى ذكر الله ورضاه سبحانه وتعالى . وأنت أيها
المسلم المبارك ، احرص في هذا اليوم يوم عرفة ، على أن تستشعر وتتخيل وتعيش هذا المنظر
المهيب الجليل ، ليأخذك هذا المشهد ، فتدمعُ عيناك شوقاً وحبًّا لتلك الأماكن
المباركة ، وأنت تشاهد منظرا يكاد ينطق إنَّه الفرار إلى الله ، وهل للبياض لغة غير
لغة السمو والتسامي، وهل للبياض لوحة تتلون من لون واحد، كما ترتسم في هذا اليوم يوم
عرفه، إنَّه التجرد الحقيقي، والاستجابة الحقيقية للنداء الخالد ، إنَّه بلاغُ أذان
نبيِّ الله إبراهيم عليه السلام ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً
، وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾([5]).
الله أكبر ، الله أكبر ونحن نستشعر مع الحجيج عظمة هذا اليوم وعلو قدره ومنزلته ، في
عرفة يجتمع الحجاج على صعيدٍ واحد ، في مشهد عظيم يحكي وحدة المسلمين عرباً وعجماً
وشعوباً وقبائل ، يرغبون فيه باللجوء إلى الخالق، استجابةً لأمره وطاعة لأوامره ، قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبَاهِى بِأَهْلِ
عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ فَيَقُولُ لَهُمُ : انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي
شُعْثًا غُبْرًا ». وَفِى رِوَايَةِ:« انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي هَؤُلاَءِ »([6]).
عباد
الله : يوم الوقوف بعرفة يومٌ فيه تختلج المشاعر،
ويتجلَّى شعور لا يمكن وصفه، في موقف وقف فيه نبينا الكريم ، صلوات الله عليه وسلامه
، وخطابه في المسلمين ، لتبقى خالدةً ديناً وعقيدة ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً .﴾([7])..
عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ، أَنَّ رَجُلاً
مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا
لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ ، لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا
. قَالَ أَيُّ آيَةٍ قَالَ ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾. قَالَ عُمَرُ رضي
الله عنه قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ
، وَالْمَكَانَ الَّذِى نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم ، وَهُوَ
قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ ([8]).
إخوة الإيمان :
جلال المشهد لا تترجمه ولا تتسع له السُّطور إلا وأنت تردد « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَىْءٍ قَدِيرٌ» قَالَ صلى الله عليه وسلم « خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ
، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَىْءٍ قَدِيرٌ »([9]).
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ
« مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يَعْتِقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ عَبْدًا
أَوْ أَمَةً مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ، إِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى
بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ وَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ »([10]).
فظاهر الحديث أنه أكثر يوم في العام ، يعتق الله تعالى فيه خلقاً من النار. والظاهر
أن العتق من النار ليس خاصا بأهل عرفة، وإنما هو عامٌّ لهم ولغيرهم، وإن كان يرجى لأهل
عرفة أكثر من غيرهم . نسأل الله تعالى أن يُعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وأبنائنا
وبناتنا وزوجاتنا من النار ، إنه سميعٌ قريب مجيب الدعاء ، أقول قولي هذا وأستغفر
الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم ..
الخطبة الثانية
الحمد
لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه
، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله عباد
الله وأطيعوه، وأكثروا في هذه الأيام العظيمة
من ذكره وتكبيره؛ فإن ذكر الله تعالى من أفضل الأعمال يقول سبحانه وتعالى ﴿ وَلَذِكْرُ
اللهِ أَكْبَرُ ﴾([11])
وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه: « مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ
مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ». وكذلك احرصوا في هذه الأيام المباركة ، على صيام يوم عرفة ،
فقَدْ َسُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ
:« يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ سَنَةً مَاضِيَةً وَسَنَةً مُسْتَقْبَلَةً »([12]).
فاغتنموا هذا الفضل وكونوا من السَّبَّاقين إليه .
ليست هناك تعليقات