أقوالنا وأفعالنا عند الأزمات
أقوالنا وأفعالنا عند الأزمات
الحمد لله خلق
الإنسان علَّمه البيان ، وأمره بالقول
الطيب وحفظ اللسان ، وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له ، القائلُ سبحانه ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ
بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ
اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾([1]). وأشهد أنَّ سيدنا
ونبينا محمدًا عبده ورسوله ، القائل عليه الصلاة والسلام « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ يَنْزِلُ
بِهَا فِى النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ »([2]). ، صلى الله
وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين . أما بعد
فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله ، فاتقوا الله
واحفظوا أيديكم وألسنتكم ، فلا تكتبوا
بأيديكم إلاَّ خيراً ، ولا تقولوا بألسنتكم إلاَّ قولاً حسناً سديدا ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً
عَظِيماً ﴾([3]).
معاشر المسلمين : اغتَنِموا حياتَكم،
واحفَظُوا أوقاتَكم، وألسنتكم وأيديكم ، واستخدموها في الخير ، خاصةً عند الأزمات
؛ وإنَّ التعاطي مع الأحداث وما يحصل الآن
في مدينتنا سبها ، من تفشٍ لمرض كورونا ، لا يعالج بالتذمُّر أو بالعناد ،
أو بردود الأفعال الغير مدروسة ، المبنية على ردِّ التُّهم والتنصل من المسئولية ،
إنَّما يُعَالَجُ بالعقل الرشيد ، والقول السديد
، وبالهدوءِ الْحَذِرِ ، وَبِتَسْلِيطِ التفكير على الحلول ، وبالتعامل بالحكمة
وحسن الأداء ، وقبل كلِّ هذا الحرص على المصلحة العامة للجميع ، فليس بالنقد وحدَه
، ولا بردة الأفعال السريعة ، سنقضي على هذه الأزمة ، وَنَتَغَلَّبَ عليها ونتخلص
منها ، فهي أزمةٌ عالميةٌ ، تحتاجُ منَّا إلى صبرٍ وتحمُّلٍ وحسن إدارة ، وثقةٍ في
النَّاس الذين يتصدَّرون المشهد ، خاصة أمام سيل هذا الإعلام الجارف، بأدواته ومواقعه،
وما يحصلُ به من تلبيس في الطرح ، وانحراف في التحليل، وتعسُّفٍ في التفسير وعبَثٍ
بالكلمات والمصطلحات، ناهيكم عن التضليل والتزييف، وخلط الأوراق ، فالكلُّ يعبِّرُ
عن ما بداخله ، ويزيد على كلماتِ غيره ، بما يَشْعُرُ وَيُحِسُّ به ، حتى ولو كان
تلفيقاً وكذباً ، كلُّ ذلك لإيجادِ مزيدٍ من التوتر والبلبلة ، داخل المجتمع وبين
الناس ، عن طريق صفحاتٍ لا تحمل أسماءً واضحةً لأصحابها ، ولا تبعيَّةِ مَنْ يقوم
بإدارتها ، والناس يُصَدِّقُونَ كُلَّ ما يُكْتَبُ ويُنْشَرُ فيها ، يتركون
الصفحات المعنونة والواضحة ويجرون خلف صفحاتٍ لا يهمها إلا زيادةِ التوتر والتَّرويع
، وخلقِ فوضى عارمةٍ في المجتمع ، وتشكيكٍ في القدرات والأشخاص ، وخلطٍ للأورق ، في
مصالحَ ضيقةٍ تخصُّهم ، إما شُهرةً لصفحاتهم ، أو سبقاً إعلامياً ، يزيدون فيه من
التهويل والتضليل والتجهيل ، بحقٍ أو بغير حق . تناسواْ قول نبينا صلى الله عليه وسلم « إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ
الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ . »([4]). وقولِه عليه
الصلاة والسلام « بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا ».
ألا فلنتتق الله
رحمكم الله ، ولنعلم أن المبالغةَ في ملاحَقة ما يكتب ، من فضحٍ وتشهيرٍ بغير علمٍ
، والإكثار من تتبُّع أخبار القائمين على كتابة ونشر كُلَّ ما يقال ، يُوقِع في ضلالٍ
وحيرةٍ وإرباك ، في غيابٍ واضحٍ لمن تقع عليهم المسئولية ، في نشر الحقائق للناس ،
وعاقبة هذا التخبط ، التشدد والانشقاق، والفرقة والتصدعات ، وهدم الثقة بين الناس والمسئولين
، وحاصلهُ ترويعٌ وفوضى ، وتعليقات يائسة ، ومداخلات بائسة ، يختلط فيها الحابل والنابل،
تُنتج أحكاماً دون تريثٍ ولا تثبت ، والله تعالى يوصينا بقوله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ
، فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾([5]). وعدم تطبيق
أوامر الله ونوهيه ، نتيجتها الفُرْقَة، وعاقبتها نفوسٌ سوداء وأحقادٌ متبادَلة ، من
غيرِ عقلانيَّة ولا بُعدِ نظرٍ أو تيقُّن ، والسلامة من ذلك الأخذ بقاعدة نبيِّ
الله سليمان بن داود ، عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام في قوله عز شأنه حكايةً
عنه مع الهدهد : عندما ﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ
أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾([6])، مع أنَّ الهدهد
قد قال على سبيل الجزم: ﴿ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾([7]). فيا أيها
الأحباب : تبينوا وتريثوا وتحرَّوا الصدق في كُلِّ ما تقولون وما تكتبون ، ﴿ وَلاَ
تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ
أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾([8]). فَلَا تُرَدِّدُوا
ولا تنقلوا ولا تقرؤوا إلاَّ من مصادر موثوقة
، وربنا سبحانه وتعالى يأمرنا بذلك في قوله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾([9]).
فالحذر الحذر ، فكلُّ ذلك مسجلٌ ومكتوب :
وما مِنْ كاتبٍ إلا سَيَفْنَى
وَيُبْقِى الدَّهْرَ ما كتبتْ
يداه
فلا تكتب بخطك
غيرَ شيءٍ
يسرك في القيامة أن تراه ([10])
نسأل الله
تعالى أن يرشدنا للصواب ، وأن يرزقنا الصدق والإخلاص في القول والعمل إنه سميعٌ
قريبٌ مجيب الدعاء . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل
ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..
الخطبة الثانية
ليست هناك تعليقات