جديد المدونة

المحافظة على البيئة


المحافظة على البيئة
  الْحَمْدُ للهِ الذِي حَثَّ عِبَادَهُ عَلَى الطُّهْرِ وَالنَّقَاءِ، وَأَمَرَهُمْ بِالتَّجَمُّلِ وَالصَّفَاءِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ النَّظَافَةَ مِنْ صِفَاتِ أَولِيَائِهِ المُؤمِنِينَ، وَكَتَبَ مَحَبَّتَهُ لِلتَّوَّابِينَ وَالمُتَطَهِّرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيَّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ، أَنْظَفُ النَّاسِ فِي جَسَدِهِ وَثِيَابِهِ، وَأَطْيَبُهُمْ رِيحًا بَيْنَ أَهلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَأَكْثَرُهُمْ تَمَسُّكًا بِتَعالِيمِ الدِّينِ وَآدَابِهِ، صلى الله عليه وسلم وبارك عليه ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ طَاهِرِي المَظْهَرِ وَالمَخْبَرِ، وَعَلَى أَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ البَعْثِ وَالمَحْشَرِ. أما بعد فأوصي نفسي وإيَّاكم بتقوى الله ، قال تعالى﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾([1]).
عباد الله : لقد حثَّنا دِينُنَا الإسلامي الحنيف ، على النظافة والعناية بالبيئة ، والاهتمام بالمظهر العام للأرض؛ ليبقى الكون محافظًا على جماله ورونقه، بعيدًا كُلَّ البعد عن مظاهر الفساد والخراب والتخريب ، يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العظيم: ﴿ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ، وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ، أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾([2]) ، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾([3]) ، ويقول جلَّ في علاه : ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾([4])، ويقول سبحانه ﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾([5]). ونهى النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ، عن الإفساد في الأرض أو تلويثها، ومن ذلك أنَّه حرَّم التبول أو التغوُّط في الطرقات والأماكن العامة التي يرتادها الناس، ويجلسون فيها ، يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ الثَّلاَثَ الْبَرَازَ فِى الْمَوَارِدِ وَالظِّلِّ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ »([6]). كما نهى عن إلقاء القاذورات وغيرها من الأوساخ عند بيوت الناس أو في شوارعهم، أو تحت محلاَّتهم، أو وضعها في أَيِّ مكانٍ غَيْرِ مَكَانِهَا المخصص، وتعلمون جميعًا ، قول الله سبحانه وتعالى في امرأةِ أبي لهب: ﴿ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ ، فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾([7])؛ لأنَّها كانت تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتضعُ الأشواك على طريقه، وترمي بالأذى عند بيته، وتتعاون مع زوجها الآثِم ، على الإثم والعدوان، وأذيَّة المسلمين، وهذا كُلُّهُ مما يناقضُ الإيمان ويخالفُ الدِّين . يقول النَّبي صلى الله عليه وسلم « الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ. »([8]). وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ »([9]). بل كان صلى الله عليه وسلم يشجِّعُ النَّاس على إظهار البيئة بمظهرها اللائق، ويحثُّ الناس على الاهتمام بها؛ لتظهر في أجملِ مظهرٍ وَأَحْسنِ منظر؛ يقول صلى الله عليه وسلم: « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا ، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ ، إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ »([10]). وقال صلى الله عليه وسلم : « إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ - يعني: نخلة صغيرة - فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَلاَ يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا، فَلْيَفْعَلْ »([11]).
فأين نحن إخوة الإيمان : من هذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي سمعتهم ؟ وأين مجتمعنا الإسلامي ، من أمر المحافظة على البيئة ، ونحن نرى مياه المجاري تجري بقوة وغزارة في بعض شوارع مدينتنا ؟! والقمامة والقاذورات أكرمكم الله متناثرة في كل مكان، وعند كل بيت، حتى أصبح هواؤنا ملوثًا، وماؤنا ملوثًا، والنتن والأوساخ في بيئتنا ظاهرة وبكثرة .
إنَّ الخطر كبير على الجميع؛ لأنَّ هذه المجاري حينما تسيل في الشوارع، تكون سببًا في تلويث البيئة وإفسادها، فتتلوث الأرض، وتتنجس، وتنتشر الأمراض والحميات، ويكثر البعوض، وتنتقل العدوى والجراثيم بكل سهولة، وكذلك بانتشار القمامة والمأكولات على الطرقات وبين الأحياء السكنية ، ازدادت أعداد الكلاب الضالة  في الشوارع مع تراكم أكوام القمامة ، فهي تتجمع عبر قطعان ، وتتجول خاصة في الليل وفي الصباح الباكر ، مما يهدد الأطفال وقت نزولهم للمدارس ، وتثير الرُّعب فيهم ، إضافةً إلى عضَّتها القاتلةِ للإنسان، وتصل في بعض الأحيان إلى تشويه الوجه والجسد ، وتحتاج هذه الظاهرة لتدخل أجهزة الدولة لوضع حلٍّ ملائم لها وَيحدُّ من انتشارها .
ومن الأخطاء إخوة الإيمان : قيام بعض الناس هداهم الله ، بحرق القمامة وإشعال النيران فيها مما يسبب زيادةً في التلوث ، فبعد حرقها تتحول إلى صورةٍ أكثر خطورة، إلى أبخرةٍ سامَّةٍ جدا  تأثيراتها ضارة على الصحة العامة للأفراد ، وخاصة المرضى الذين يعانون من الأمراض الصدرية والضيق في التنفس ، وكذلك أثرها واضحٌ على البيئة المحيطة وعلى كل الكائنات التي تعيش قربنا ؛ فيامن تقوم بحرق القمامة توقَّف عن هذا الفعل حفاظاً على صحتك وصحةِ إخوانك الذين يقاسون ويعانون من المرض .   
عباد الله: ثُمَّ إننا نأسف الأسف الشديد حينما يشتكي بعض الجيران من أذية جيرانهم بوضع القمامة أمام بيوتهم، أو جلبها إليهم من أماكن أخرى ، ورمْيِهَا على الطريق أَمَامَ منازلهم، بِحُجَّةِ أن بيوتهم أقربُ مَكَانٍ لِعُمَّالِ الْبَلَدِيَّةِ للمجيءِ لأَخْذِهَا، وربَّما أتوا، وربما لم يأتوا، ومن هنا تبدأ المشاكل بين الجيران، وتثور بينهم ثائرة الشيطان، وَتَفْسُدُ بينهم الحقوق، وَتَضِيعُ بِسَبَبِ قُمَامَة ٍ- أَجَلَّكُمْ الله.
والواجب أن يحترم كُلَّ جارٍ نَفْسَهُ، فكما لا يرضى لنفسه أن تبقى هذه القمامة في بيته، ولا يرضاها عند داره، أو على الطريق التي أمام منزله ، فكذلك جَارُهُ، فإنه لا يرضى بذلك، ولا يريد أن يكون بيته أو محيطه مجمعًا للزبالات والأوساخ ؛ بل عليه أن يَأخذها معه ليضعها في الأماكن التي خُصِّصت لها. فعلينا جميعًا عباد الله : أن نعتني ببيئتنا وجمال منطقتنا، وصلاح وضعنا، وألا يضر بعضنا بعضًا، أو يمس أحدنا أخاه بسوءٍ يؤذيه، أو يتسبب في إزعاجه، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لاَ ضَرَرَ ولا ضِرار»([12]). ويقول سبحانه وتعالى ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ﴾([13]). نسأل الله تعالى أن يرزقنا المحبة والألفة والتعاون على البر والتقوى ، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : إنَّ الواجب علينا جميعًا أن نتكاتف ونتعاون ، للحفاظ على بيئتنا وعدم تلويثها بالأشياء الضارة ، التي وصلت لأكلنا وشربنا ، وحتى خضرواتنا وفواكهنا، وطيباتنا لُوِّثت بالمسمدات والمواد الكيماوية، والهرمونات والمواد المسرطنة، والمبيدات التي يستخدمها مَن يعرف ومَن لا يعرف، وصدق الله تبارك وتعالى إذ يقول:﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾([14]). إنَّ ديننا الإسلامي الحنيف ، اهتمَّ بموضوع البيئة قولًا وعملًا، واعتنى بهذه المحاسن البيئِيَّةِ، وأعطى كل شيء حقه، واعتنى به خير العناية، فاحرصوا عباد الله- على حماية البيئة والحفاظ على مقدرات الأرض التي ذللها الله لنا لنعيش فيها، ومن فعل ذلك فإنه يؤجر عليها، ومن أفسد في الأرض كسب الإثم، وخالف تعاليم إسلامنا. نسأل الله جل وعلا أن يصلح العباد والبلاد، وأن يوفقنا جميعاً للإصلاح ونبذِ الفساد ، ويجعلنا متعاونين على الخير والحبِّ والرشاد،  عباد الله : صلوا على رسول الله ، صلو سلموا على من أمرنا ربنا بالصلاة والسلام عليه بقوله سبحانه وتعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾([15]). اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ ، اللهم اجعلنا ممن يحافظون على بيئتهم ، ويحرصون على تعميرها وتطويرها ، وعدمِ الإفساد فيها ، اللهم اجعلنا على الخير والمعروف متعاونين ، وعلى المحبة والرحمة متآلفين متراحمين ، اللهم وفقنا لفعل الخيرات، وجنبنا الوقوع في السيئات يا أرحم الراحمين يا رب العالمين . اللهم احفظ بلدنا ليبيا من شر الأشرار ومن كيد الفجار ، وأمنن عليها بالأمن والأمان ، اللهم احقن الدماء في بلادنا ، اللهم وحد صفوفنا اللهم أطفئ نيران الفتنه في بلادنا ، اللهم من أراد ببلادنا خيرا فخد بيده ، ومن أراد بها شراًّ فخده أخد عزيز مقتدر، اللهم اغفر لنا ولولدينا ولمشايخنا ولمن علمنا ، ولأصحاب الحقوق علينا ، وللمسلمين أجمعين ،  ولمن بنواْ هذا المسجد ، ولمن أنفق وينفق عليه ، ولمن عمل فيه صالحاً وإحسانًا يا ذا الجلال والإكرام .



([1]) المائدة 2 .
([2]) البقرة: 27 .
([3]) البقرة: 60 .
([4]) الأعراف: 56 .
([5]) البقرة: 205 .
([6]) رواه ابن ماجة .
([7]) المسد 4 – 5 .
([8]) رواه مسلم .
([9]) رواه البخاري .
([10]) رواه البخاري .
([11]) رواه أحمد .
([12]) رواه ابن ماجة .
([13]) الأحزاب58 .
([14]) الروم41 .
([15]) الأحزاب 56 .


ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون