استقبال شهر الخير والطَّاعات
استقبال شهر الخير
والطَّاعات
الحمد
لله الذي منّ علينا بمواسم الخيرات، وخصّ شهر رمضان بالفضل والتشريف والبركات، وحثَّ
فيه على عمل الطاعات، والإكثار من القربات، أحمده سبحانه على نعمه الوافرة ؛ وأشكره
على آلائه المُتكاثرة ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ سيِّدنا
ونبيَّنا محمدا عبده ورسوله ، أفضل من صلى وصام، وأشرف من تهجَّد وقام ، صلى الله وسلم
وبارك عليه وعلى آله وصحبه البررة الكرام، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب النُّور
والظَّلام ، أما بعد: فأوصي نفسي وإيَّاكم بتقوى الله عزَّ وجل، قال تعالى: ﴿إِنَّ
اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾([1]).
إخوة الإيمان:
أيام قليلة تفصلنا عن ضيفٍ كريم ، هو شهر رمضان المبارك ، شهر الخير والرَّحمات ،
والطاعات والقربات ، فلنستقبل هذا الضيف بما يليق به من حفاوةٍ وتكريم ، من إكثارٍ
للحسنات ، ومسارعةٍ في الخيرات ، يقول سبحانه وتعالى ﴿ فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ﴾([2]).
وإنَّ من المسابقة للخيرات في هذا الشَّهر ، أن ننشر في المجتمع الرحمة والرأفة ، والتآلف
والمحبة ، والتنافس في فعل الخير، والتعاون على البر والتقوى ؛ فيا جمعنا المبارك
يا وجوه الخير، وأنتم تستقبلون شهر الصِّيام ، انشروا الكلمة الطيبة ، انشروا الْأُخُوَّةَ
الصَّادقة ، انشروا التَّعاون على الخير ، انشروا المحبَّة والبسمة والتَّراحم
والتَّسامح ، وابتعدوا عن الحقد وَالْحَسَدِ ، والغلِّ والمكر والخديعة ، وعن
الخصال الذميمة كلها ، فليس فيها الخير وإنَّما فيها الشَّر ، حفظ الله الجميع من
الشُّرور والآثام .
إخوة الإيمان : وهذه رسائل نرسلها لنا جميعا في استقبال هذا
الشهر ، كُلٌّ حسب موقعه وإمكاناته ، علَّها تجدُ آذاناً صاغية وقلوباً واعية ، وأنْ
يكونَ لها صدىً عَمَليًّا في المجتمع .
رسالتنا
الأولى لأهل الصلاح والإصلاح : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « مَنْ أَصْبَحَ
مِنْكُمْ آمِنًا فِى سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِى جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ،
فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا »([3]).
نريد أن يُبْسَطَ الأمن والأمان في جميع تراب بلادنا ليبيا عامة ، وَمَدِينَتِنَا
سبها والجنوبَ خاصة ، نريد أن يكون صِيَامَنَا فيه الأمن والأمان في الليل والنهار
، نريد الإصلاح والهدوء أن يَعُمَّ كامل المدينة ، وأن ينتهي هذا الاقتتال الذي
عمَّ ضرره بين النَّاس ، حتى الأطفال لم يسلموا منه ، نريد من أهل الإصلاح أن يكثِّفوا
من جهودهم ، ويوحِّدوا قُلوبهم ومساعيهم ، التي لن تضيع بإذن الملك جلَّ جلاله ،
من أجل تحقيق السَّلام والاطمئنان والأمنِ الدَّائم ، ولهم بكلِّ خطوةٍ أو كلمةٍ ،
أو جهدٍ أو سعيٍ أجراً عظيماً عند الله تعالى ، يقول سبحانه ﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ
مِّن نَّجْوَاهُمْ ، إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ
بَيْنَ النَّاسِ ، وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ ، فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ
أَجْراً عَظِيماً ﴾([4]).
فلتكن قلوبنا وقلوب المصلحين مع الله ، حتى يتحقق الأمن والرَّخاء بإذن الله الواحد
الأحد.
رسالتنا
الثانية للتجار ، لأصحاب المحال التجارية من مواد غذائية وخضروات وغيرها من المواد
الضرورية ، فهؤلاء بدلاً من أن يخفضوا الأسعار في هذا الشهر ، يفرحون بزيادتها
وارتفاعها ، ليكثر عندهم الرِّبْحَ المادي ، وينسون الرِّبْحَ الباقي الذي يجدونه
يوم القيامة في موازين حسناتهم . أيها التاجر افرح بحلول الشهر المبارك ، بأن تخفض
فيه أسعار المواد الغذائية ، افرح بالحسنات افرح بالعافية افرح بإدخال السرور
والفرح ، على الذي لا يملك الدنانير الكثيرة ، بأن يشترى احتياجاته الغذائية بيسرٍ
وسهولةٍ وأسعارٍ معقولة ، وأن يصوم وهو بحالةٍ نفسيَّةٍ مطمئنة ، ويدعوا لك وأنت لا
تعلم ؛ لا تفرح بالغلاء وارتفاع الأسعار الذي يشاع بين النَّاس عند حلول شهر
الصيام ، كن قنوعاً بالقليل ليأتيك الكثير ، فعندما تكرم عباد الله يكرمك الله ﴿ وَمَا
أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾([5]).
رسالتنا
التَّالية لأهل الصحة ، نريد من الطبيب الإنسان أن يمُدَّ يد المساعدة ، بمناسبة
حلول شهر الصيام إلى المرضى ، بأن يعالجهم قدر استطاعته بمبلغٍ رمزي أو بدون مقابل
، وأجرهُ عند الله يكون أعظم ، ربما يكون صعباً ولكن نقول في الأُسْبُوعِ يوماً ،
أو في اليوم ساعة ، مساهمةً إنسانيَّةً منك تعرف كيف تجدول لها بوقتك ، وكلُّ وصفة
دواء تقدمها لوجه الله يعطيك الله خيرها ونعيمها في الدنيا والآخرة .
وأنت
يا صاحب الصيدلية ساهم بمناسبة شهر رمضان المبارك في الخير، وأنت تعرف أنَّه لا تُوجد
صيدلية عامة حكومية تعطي الدَّواء مجَّانًا ، فلك الصِّحة والعافية والأجر ، إن
ساهمت في تخفيض أسعار بعض الأدوية ، التي لا تؤثر على صيدليتك وتدفعك للخسارة ،
فكلُّ حبَّة دواء وَمِلْعَقَةُ علاج وحقنة دواء لك فيها خيرا كثير ، اسمع إلى قول الله
تعالى ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ﴾([6]).
فعندما تساعد ترى الخيرات الكثيرة التي تسجل لك في رصيد حسناتك ، تجدها غدا عند
مولاك الكريم .
إخوة الإيمان :
من هذا المكان الطَّاهر، نودُّ أن نوصل رسالةً ربَّانية لأصحاب المسئوليات في
المدينة ، بمناسبة هذا الشهر المبارك شهر رمضان ، بأن يتَّقوا الله في مسئولياتهم
ومناصبهم ، وأن يذلِّلوا الصعاب للناس ، وَيُسَهِّلوا لهم أمورهم من حيث الأسعار
والسيولة المالية والمواد الغذائية والوقود ، هذه الحاجيات التي أصبحت همًّا
وغمًّا أشغل أفكار وعقول العباد ، فإذا رَفَقُوا بالناس رَفَقَ الله بهم ، وإذا شَقُّوا
وصَعَّبوا على الناس شقَّ الله وصعَّب عليهم ، يوم يقفون أمام أحكم الحاكمين ، فالذي
يعملونه اليوم يجدونه غداً ، وهم تحت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي قوله « اللَّهُمَّ
مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ
، وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا ، فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ »([7]).
نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي
ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد
لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا
محمدا عبد الله ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين
لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين . أما بعد
فأوصي نفسي وإيَّاكم بتقوى الله عز وجل ، يقول الله تبارك وتعالى ﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا
بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ، إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ
﴾([8]).
فيا
أخي المسلم : إيَّاك واليأسَ والقنوطَ من رحمة الله ، وأنت على أبواب هذا الشَّهر
الكريم ، إيَّاك والإحباط كن قويًّا بإيمانك ، عاليَ الهمة بإرادتك وطموحاتك ، لا
تترك فرصةً لوسوسة الشيطان ، أن تقول لك إنَّ المشاكل في البلاد والمدينة لن تنتهي
، كن متفائلا واثقا من ربك ، فالكلُّ تحت قبضته وسيطرته ، والأمر بيده سبحانه وتعالى
وحده ، فهو القادر القاهر الفعَّالُ لما يريد ، لا تكن من اليائسين القانطين ،
فربنا الرحمن الرحيم يقول في سورة الْحِجْرِ﴿ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ
إِلاَّ الضَّآلُّونَ ﴾([9]).
وقال عليه الصلاة والسلام « إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ هَلَكَ النَّاسُ. فَهُوَ
أَهْلَكُهُمْ »([10]).
فعليك أيها المسلم ، بذكر الله والدعاء من قلبك للبلاد وأهلها بأن يسلِّمها الله
ويحفظها ويرعاها من كل ظالم . وكن يا أخي وأنت في بيتك أو في سيارتك أو تمشي على قدميك ذاكراً لله منضبط النَّفس ،
وفي قناعتك أنَّ الله معك وسيحفظك ، وهذه المشاكل المتنوعة والمقلقة ، ما جعلها
الله إلاَّ لحكمةٍ يعلمها ، وستنتهي بعون الله ، ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ
الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم ، مَّسَّتْهُمُ
الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ ، حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ
مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ﴾([11]).
ولنا عودة إن شاء الله لرسائل أخرى في خطبةٍ قادمة بعون الله تعالى . عباد الله
صلُّوا على رسول الله صلُّوا وسلموا على من أمرنا من ربنا بالصلاة والسلام عليه
بقوله سبحانه وتعالى﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾([12]).
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ، صلاةً تُحَقِّقُ لنا ببركتها المطالب ،
وتُذلل لنا بها المصاعب ، إنَّك على كل شيء قادرٌ وغالب ، وعلى آله وصحبه وسلم ؛ اللهم
يا مولانا يا معين يا رحمان يا رحيم يا ودود ، نسألك أن تعطي الخير والعافية
والعون والسعادة في الدنيا والآخرة لمن يعين أيَّ مسلم ومسلمة في حاجةٍ إلى مال أو
في حاجة إلى دواء أو علاج ، أو في حاجة إلى لباس أو غذاءٍ ، أو في حاجةٍ إلى
توجيهٍ أو مشورةٍ إلى الخير ، اللهم يا جواد يا كريم يا باسط يا وهَّاب ، اللهم إنَّك تعلم سرَّنا وعلانيتنا فاقبل
معذرتنا ، وتعلم حاجتنا فأعطنا سؤلنا ،
وتعلم ما في نفوسنا فاغفر ذنوبنا ، اللهم إنا نسألك إيماناً يباشر قلوبنا ،
ويقيناً صادقاً حتى نعلم أنه لن يصيبنا إلاَّ ما كتبته علينا ، والرضا بما قسمته
لنا يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم اكشف الهم والغم والفتن عن بلادنا وبلدان المسلمين
أجمعين ، أنت حسبنا ونعم الوكيل في الظالمين
وفي المفسدين وفي المخربين وفي شرِّ خلقك أجمعين يا نعم المولى ويا نعم
النَّصير . اللهمَّ برحمتك عُمَّنا وعلى الإسلام توَفَّنا ، وعن والدِينا أرضنا ،
ولبيوتك حببنا اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات
الأحياءِ منهم والأمواتِ ، ولمن بنوا هذا المسجد ، ولمن أنفق وينفق عليه ، ولمن
عمل فيه صالحاً وإحسانا يا رب العالمين ..
ليست هناك تعليقات