جديد المدونة

حول تفجيرات مدينة سبها


حول تفجيرات مدينة سبها
الحمد لله ذي القوة المتين، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، الصادق الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، فإنها خير زاد يتخذ ليوم المعاد، وأفضل عُدَّةٍ ليوم الضيق والشدّة، يقول الله سبحانه { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ }
ومن يتقِّ اللهَ يُحْمَدُ فِي عَوَاقِبِهِ
                   وَيَكْفِهِ شَرَّ مَنْ عَزُّوا وَمَنْ هَانُوا
فَالْزِمْ يَدَيْكَ بِحَبْلِ اللهِ مُعْتَصِماً
                       فَإِنَّهُ الرُّكْنُ إِنْ خَانَتْكَ أَرْكَانُ
عباد الله: دينُ الإسلام ، دينُ الخير والعدلِ والإحسان، { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإْحْسَانِ } النحل:90. دين الصلاح والإصلاح، يدعو إلى الخير وينهى عن الشرّ والفساد، {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا } الأعراف:56. الفسادُ في الأرض إِجْرَام ، وأيُّ إِجْرَامٍ أَعْظَمُ مِنْ فَسَادٍ في الأرض؟! نَهَى عَنْهُ رَبُّنَا جلّ وعلا، الفسادُ في الأرض خُلُق اللِّئام من البشر، والله لا يحبّ المفسدين ولا يصلِح عملَهم، قال تعالى عن المفسدين: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }المائدة:64 . وقد جعل الله جلَّ وعلا لهؤلاء المفسدين ، حدّاً يتناسب مع عِظَمِ جريمتهم وشَنَاعَةِ فِعْلَتَهُمْ فقال سبحانه  {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً ، أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ ، أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ ، أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ، ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ، وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة33 .
اخوة الاسلام: لقد حَرِصَت الشَّريعة الإسلامية ، على حفظ النفس وصيانتها ، وحمايتها من الاعتداء عليها، أو حتى ترويعها، وتجنيبها كلَّ الأضرار التي تفتك بها، وَوَضَعت كافة الوسائل المؤدية إلى المحافظة عليها. فحرّم المصطفى صلى الله عليه وسلم ، تخويف المسلم وَتَرْوِيعِهِ، ونهى عن إدخال الرعب عليه بأي وسيلة، فقال صلى الله عليه وسلم « لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا » رواه أبو دود. وعند الطبراني عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : « مَنْ أَخَافَ مُؤْمِنًا بِغَيْرِ حَقٍّ ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُؤَمِّنَهُ مِنْ أَفْزَاعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ». وفي صحيح مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم- قال « مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ ، فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ ». فهذا تحذير من الإشارة بأيِّ آلةٍ مُؤْذِيَة ، قد تُؤَدِّي الإشارةُ بِها إلى القتل ، كالسكين والآلات الأخرى الحادة ، حتى لو كانتِ الإشارةُ مجرّد مزاح، وفي هذا تأكيدٌ على حرمة المسلم، ونهيٌّ شديدٌ عن ترويعه وتخويفه ، والتعرضِ له بما قد يؤذيه.
وقد بَيَّنَ السببَ في ذلك النهي، وهو أن إشارتَه تلك ومُزاحه على أخيه بتلك الآلة ، قد يتحوّل إلى أمرٍ حقيقي ، فيحدِثُ القتل أو الجرح وهو لا يقصده ، في صحيح البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلاَحِ ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِى يَدِهِ ، فَيَقَعُ فِى حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ » . فلقد نهى النبي صل الله عليه وسلم عن مجرد الإشارة ، فكيف بمن يقتل ويفجر.  
عبادَ الله : إنّ القلبَ ليحزن ، وإن العقلَ ليَذْهَل، وهو يَرْقُب الأحداثَ التي ابتُليت بها هذه البلاد، من أقوامٍ ضلّوا عن الطريقَ، وتلوّثت عقولهم بأفكارٍ خاطئة ، وهذه الاعمالُ مهما كان فاعلها ، ومهما كانت حُجَّتُهُ وَدَافِعُهُ، تتضمّنُ مفاسدَ كبيرةً وشرورًا عظيمة، من قتلٍ للأنفسِ المسلمة بغير حق ، وحملِ السّلاح على المسلمين ، والاعتداءِ على رجال الأمن، وترويع الآمنين ، وإشاعةِ الفزع بين الناس ، إن ما يحدث في بلادنا ، من تفخيخٍ لسياراتٍ مزروعة بالمتفجرات ، تقتل الابرياء وتحصد ارواحهم ، صاحب هذا الفعل ، ليس من المؤمنين ، في سنن بن ماجة عن فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ ، أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ».
عباد الله : أيُّ دينٍ وعقلٍ وعرفٍ ، يُقِرُّ هذه الأعمال الشنيعة؟ بل أين المروءةَ والرحمةَ والإنسانيةَ عند هؤلاء؟، أي قلبٍ هذا الذي يستهين بالأرواح والممتلكات؟ بل أيُّ نفسٍ تلك التي تتلذذ بسفك الدماء وتطاير الأشلاء؟ في سنن أبي داود عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم قَالَ « مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا فَاعْتَبَطَ بِقَتْلِهِ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلاَ عَدْلاً ».
معاشرَ المسلمين : ما أحوجنا في هذا الزمان ، الذي انتشر فيه الشر ، وانحسر فيه الخير ، وقلَّ المعينون ، أن نتعاون على البر والخير والتقوى ، والنَّهْيِ عن الإثم والعدوان قال الله تعالى : {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب }2 سورة المائدة . فعلينا أن نحيي هذه الشعيرة العظيمة ، وندعو إليها ونحثَّ عليها ، لما فيها من الخير العظيم والنفع العميم ، من إقامة أمر الدين وتقوية المصلحين ، وكسر الشرّ ومحاربة المفسدين ، قال تعالى:{ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ ، يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ ، وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ }116هود. إنّنا اليومَ إخوة الاسلام ، في حاجةٍ عظيمةٍ للمبادئ التي تعالج واقعَنا، وللأصول التي تحلُّ مُشْكلاتِنا ، وللقيَم التي ترسم لنا الخُطَّة الناجحةَ ، لمواجهة التحدّيات والمخاطر التي تحيط بنا ، وذلك بالرجوع الى كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتَّمَسُّكَ بها ، وأن تكون هذه الأحداث ، سببا لتماسكنا، ووحدة صفنا ، والتفافنا حول بعضنا البعض ، ومعرفة عدونا المشترك ، الذي لا يفرق في قتلنا ومهاجمتنا ، ولو كنا من ذويه أو قرابته ، وأن لا نجعل الإحباط واليأس يسيطر علينا ، بل ننظر لمستقبلنا بكل تفاءل وبكل عزيمة ، فستزدهر بلادنا بإذن الله ، وسيعلوا صوتَ الحقِّ فيها ، لأن الله مع الحق ، وأن الدائرة ستدور على المفسدين والظالمين ، وأن الله سيفضحهم وينتقم منهم ، لأن لكل امرئ مانوى ، ولأنه لَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ، وإن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْهُ ، فلا تيأسوا ولا تقنطوا ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }آل عمران139 . نسأل الله تعالى أن يحفظنا ويحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء . أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ ورَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلهِ وَصحْبهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ،  ولنحافظ على أُخُوَتِنا وتماسكنا ، ووحدتنا ووحدة بلادنا ، ولنأخذ حذرنا من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن ، ولنتجنب التشتت والتفرق والتمزق والتنازع ، ولنكن عباد الله إخوانا متحابين متعاونين متآلفين ، ولنجعل نصب أعيننا قولُ ربنا جل وعلا { وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }الأنفال46
عباد الله : فلنكثر في هذا اليوم المبارك ، من الصلاة والسلام على حبيبنا وقدوتنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، امتثالاً لأمر ربنا جل وعلا ، بقوله سبحانه وتعالى{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه اجمعين ، اللهم إنا نسألك إيمانا ثابتا، ويقينا صادقا ، حتى نعلم أنه لن يصيبنا إلا ما كتبت لنا، اللهم لا نهلك وأنت رجائنا، ولا نخيب وأنت أملُنا ، احرسنا بعينك التي لا تنام ، واحفظنا بركنك الذي لا يرام ، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين ، وأذل الشِّرك والمشركين ، ودمر أعداءك أعداء الدين ، واجعل بلدنا ليبيا سخاء رخاء ، أمنا وأمانا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم إنا نسألُك أن تدفعَ الفتنةَ عن بلدنا ، وأن ترفعَ المحنةَ عنها، وأن تحقنَ فيها الدماء، وأن تكونَ العاقبةُ فيها لحكمكَ يا رب العالمين . اللهم إنّا نبرأ من الثقة إلا بك ، ومن التوكل إلا عليك , ومن اللّجوء إلا إليك ، ومن الخوف إلا منك ، اللّهُمَّ يا رَفيعَ الدّرجات ، وَمُنزّل البَرَكات ، و يا فاطِرَ الأرَضِينَ والسَّماوَات ، ضَجَّت إليكَ الأصوَات بِصنوفِ اللّغات،  يَسأَلونَك الحَاجات ، وَحَاجتَنا إليكَ أَن تُسعدنا في الدُنيا والآخِرة . يا أرحم الراحمين ، وأن تمن علينا وعلى بلدان المسلمين ، بالأمن والامان ، والراحة والاطمئنان ، وأن تؤلف بين قلوبنا كما ألفت بين المهاجرين والانصار، وأن تصلح ذات بيننا ، وتهدينا سبل السلام ، اللهمَّ اغفرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ، والمسلمينَ والمسلماتِ ، الأحياءِ منهم والأمواتِ، إنَّك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدَّعَواتِ ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ،.. عباد الله: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على عموم نعمه وفضله يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. 

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون