كلمة في حب الوطن

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على شرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

أشكركم على هذه الاستضافة على قناة ليبيا الوطنية المسموعة قناة الجميع ، في برنامج { حديث المبادرة } والتي أرجوا من الله عز وجل أن نفيد ونستفيد .

يقول الله تبارك وتعالى  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ، وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } . ويقول سبحانه   { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }الإسراء53.

نلتقى لنتناصح فيما بيننا ، نلتقي على حب بلادنا وبنائها ، وتقدمها وتطورها ، فليبيا تحتاج إلى رجال مخلصين ، يحبونها ويتفانون في خدمتها ، فقد ضحى شبَابُنا وشيُوخنا ونساؤُنا وأطفالنا بحياتهم من أجلها ، فحب الوطن ليس كلاما وادعاء  ، حب الوطن والاخلاصُ له يكون ببذل الغالي والرخيص في سبيله  ، حب الوطن والإخلاص له يكون بالمحافظة على أمنه والذود عن حياضه .

 حب الوطن والإخلاص له يكون بالمحافظة على ممتلكاته ومرافقه ومؤسساته ،  حب الوطن والاخلاص له يكون باتباع الأنظمة والقوانين والسير عليها ،  حب الوطن والاخلاص له يكون بالإخلاص في العمل وأداء الأمانة التي حُمِّلْنَا إياها .

حب الوطن والاخلاص له يكون بفعل الواجبات المطلوبة تجاهه ، حب الوطن والاخلاص له يكون بالسمع والطاعة لولاة الأمـر والبعد عن كل ما يثير الفتن ويؤجج المشاعر ،  حب الوطن والاخلاص له يكون بتطبيق شرع الله وطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . يقول سبحانه وتعالى {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم ، مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ، وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ ، لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً ، وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً ، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً }النساء 66-67-68.

يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، انه لما اخرجه قومُه من مكة، وعند مشارفها حانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم التفاتة إليها ، تَذَكَّرَ في هذه اللحظة اجمل واحلى واغلى ذكريات الطفولة ، وذكريات الاهل والاصدقاء في بلده ، وقال كلمته الصادقة التي تُعَلِّمُنَا كيف يكون حب الوطن قال « وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ ، وَلَوْلاَ أَنِّى أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ ».. هكذا حب الوطن،  ولم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بلده ، الا لأنه يريد لبلده العلو والسمو والرفعة في الدنيا والآخرة ، فضحى بنفسه من اجل امته ووطنه ، علينا أن نرفع أيدينا لبناء ليبيا ، لا أن نرفعها على بعضنا البعض ، فالوطن يتقدم بالحب والعطاء ، وبالتفاني والإخلاص له ، حب الوطن ليس ادعاء ، الذين أحبَّواْ ليبيا سالت دماؤهم الطاهرة على ثراها رخيصة ، لأنهم يريدون لها العلو والرفعة والمجد ، ليبيا فيها التاريخ يتكلم ، والدهر يَتَبَسَّمْ ، والذكريات تتداعي، هنا تزاحمت حشود الفاتحين، وارتفعت رايات المسلمين ،هنا مراقد الصحابة الاخيار ، والمجاهدين الأبرار،  ليبيا دفتر العظماء ، وسجل الشرفاء ، على جبين ليبيا قبلات المحبين ، وفي جوفها زجل المسبحين،  وفي عينيها آيات للسائلين ، بلدي ميدان المجاهدين ، ومحراب المصلين ، وعرين الفاتحين ، هنا مزامير داوود بالآيات تتغني ، هنا ينشر الله جنوده، ويحقق ربي موعوده {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9، بلادي حدائق ذات بهجة ، زيتون ونخيل ، وهواء عليل ، بحر ووهاد ، سهول وأوتاد،،،، عليها يعيش الأولاد والاحفاد ، وفي ثراها يرقد الآباء والأجداد ، وفي دروبها يمشي الأصحاب والأحباب ، محبة الوطن تعليم وعمل إدارة وصناعة ، إنتاج وزراعة ، أمنٌ وأمان ، محبة الوطن بذل الجهد والوسع في خدمته ورفع شأنه وكرامته ، محبة الوطن من محبة أهله....... محبة الوطن هي السعي لمجده وسؤدده وحريته ، هي الحفاظ علي أمنه ، ووحدته والدفاع عن كرامته وحدوده ، محبة الوطن قبل ذلك وعنده وبعده تتمثل في تقوي الله والالتزام بأمره والوقوف عند نهيه {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ ، لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }الأعراف96 ، كلنا يشكو فمن المشكو منه؟ كلنا ينتقد فليت شعري من هو المنتَقد!!؟ متى يلتفت كل واحد منا لإصلاح نفسه ، وينظف عتبة داره لتنظف أرض ليبيا؟ متى يشعر كل واحد منا ، بمسؤوليته في بناء هذا البلد ، الذي عاث فيه الفجار نهبا وإفسادا أربعين سنة وتزيد!! إن مواجهة صادقة مع النفس ، والبدء بإصلاح خللها ، هو الخطوة الأولى في درب البناء ، فعلينا أن نبدأ بإصلاح أنفسنا وأهلنا ، وَلْيُتْقِنُ كل منا عمله، وليرع أمانته ، ولْيحافظ على بلده ومقدراته ومكتسباته،  ولنعط فرصة للثمرة أن تنضج ، وللدولة أن تقوم ، وليساهم كل منا بوضع لبنة،  وإيقاد شمعة ،  لينبعث من ليبيا النور ، ليشع على كل الدنيا ، ولنكون القدوة لكل البشر . علينا أن نرجع السلاح لثكناته ، ونحمل القلم والمسطرة والكتاب والمِعْوَّل ، لنبدأ البناء .