جديد المدونة

بعد الاحتفالات


بعد الاحتفالات
الحمد لله رب العالمين ، خلق النَّاس فاحصاهم عددا ، فكلهم آتيه يوم القيامة فردا ، عَزَّ سُلْطَانُهُ عِزًّا وفخرا ومجدا ، ملك فقهر، وتأذَّن بالزيادة لمن شكر، ووعد الجنَّة من صبر ، وتوعَّد بالعذاب لمن جحد وكفر ، سبحانه ما اتخذ صاحبةً ولا ولدا ، واشهد ان لَّا اله الا الله وحده لا شريك له ، شهادةً نلتمس بها رضاه ، ونشكره على ما أعطاه ، وأشهد أنَّ سيِّدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .. أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تبارك وتعالى ، تدرعوا بها في الشِّدة والرخاء ، وفي السَّراء والضَّراء ، اعمروا بها أوقاتكم صباحاً ومساءً ، فبها تدفع المحن والبلايا والفتن والرزايا ، وصدق الله تعالى القائل { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ }.
عباد الله : مرَّت علينا في الأيام الماضية ، مناسبة عظيمة ، اتَّحدت فيها النُّفوس والمشاعر ،  وصفت فيها القلوب والخواطر ، وتحقَّقت فيها الأخوة الإيمانية الصادقة ، واستشعر الجميع هذه الفرحة وعبَّر كلٌ على طريقته ، فكانت هذه المشاعر واضحة في كل مكان من وطننا الحبيب ، عاش الجميع ذكرى ثورة شعبنا المباركة ، فتحقق ببركتها فيما بيننا قول ربنا جل وعلا  {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }الحجرات10. وقولُ نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم « تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِى تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ، كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى » رواه البخاري . فعلينا بعد هذه الفرحة ، أن نشكر الله على هذه النعمة ، حتى تنمو وتزداد ، يقول سبحانه وتعالى  {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ }إبراهيم7 . وهذا الشكر يتمثل أولا : في الأخلاق الكريمة ، التي يجب أن نتعامل بها فيما بيننا ، والأدب الرفيع الذي ينبغي أن نتأدب به ، في كلامنا ومخاطباتنا لبعضنا البعض ، حتى يحبنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ،  فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : « أَحَبُّكُمْ إِلَى اللَّهِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا ، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا ، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَى اللَّهِ ، الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ ، الْمُلْتَمِسُونَ الْعَثَرَاتِ ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الإِخْوَانِ » .
ومن النعم التي يجب علينا أن نشكر لله عليها كذلك ، نعمة الحرية ، التي بدأنا ننعم بها ونستشعرها ، وشكرنا لها ، أن نضبطها بضوابط شرعنا الحنيف ، فلا نسخرها في الشتم والسباب والفسوق ، والنقد اللاذع المسيء ، ولا في الفساد والظلم والاعتداء على الآخرين ، بل نستخدمها في الخير والإصلاح والمعروف ، حتى تتحقق رحمة الله فيما بيننا ، يقول سبحانه وتعالى { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ، وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ، وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ ، أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ ، إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة71 . وفي مسند الإمام أحمد ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِشِرَارِكُمْ ». فَقَالَ « هُمُ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ ، أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ، أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقاً » رواه أحمد .
إخوة الإيمان : كذلك من شكرنا لله ، أن تتصافى قلوبنا وتتسامح وتتغافر ، فليس أسعد للمرء ولا أشرح لصدره ، من أن يحيا في مجتمعه صافي القلب، سليماً من الضغينة والحقد ، والحسد والبغض والتشفي ، وحب الانتصار للذات ، والانتقام من الناس ، لسان حاله يلهج دائما ، بقول النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما رواه أبو داود ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَنَّامٍ رضي الله عنه  « اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِى مِنْ نِعْمَةٍ ، فَمِنْكَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ ، فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ. ».  فالقلوب التقية النقية هي التي ينجو أصحابها مكرمين يوم القيامة ، يقول سبحانه وتعالى {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }الشعراء88 ، 89 . سئل ابن سيرين رحمه الله تعالى: " ما القلب السليم؟ قال: الناصح لله عز وجل في خلقه" أي: لا غش فيه ولا حسد ولا غل .
 إخوة الإيمان : إن شريعتنا الغراء ، قد جاءت حاضة على التراحم والتلاحم ، والعدل والإنصاف، ونبذ التدابر والتقاطع ، والتباغض والتحاسد ، وبذر الفتن وتأجيج الفرقة ، فالإخلال بهذه المبادئ ، ينمي جذور الخصومة والحقد، وذلك مما ينهى عنه الإسلام ، ففي سنن الترمذي عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَقَاطَعُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ » . فلا بد أن يُحيا في نفس المؤمن استحضار قول الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} الفتح:29 ، وقول الله تبارك وتعالى مادحاً قوماً: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} المائدة:54، ويستحضر قول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} الحشر:10. فالأخلاق الكريمة الزكيَّة ، ضرورة لصلاح الدنيا والفوز في الآخرة، وما لم تستقم الضمائر، وتصفو النيات؛ فلن يَكْبَحَ جماح البشر شيء، ولن تصلح أحوالهم. فينبغي علينا ، أنه كما كانت  فرحتنا بثورة بلادنا ، بالبسمة والبهجة والسرور والمحبة ، علينا أن نديم هذه المشاعر الحسنة في مجتمعنا ، ونتخلق بها في حياتنا ، حتى تتطور بلادنا وتتقدم ، وتنمو وترتقي وتزدهر ، وتنصلح شئونها وتستقيم الحياة فيها، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم  {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }التوبة105. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، يجازى الشاكرين بدوام نعمه ، والخيرين العاملين على بناء مجتمعهم ، بجزيل عطائه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، صل وسلم وبارك عليه ما أشرقت شمس على يوم سعيد ، وعمل صالح مفيد . وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ،، أما بعد فيا عباد الله : إن ديننا الإسلامي الحنيف ، يحثنا على الاجتماع وعدم التفرق ، فَتَجَمُّعَنَا في هذا اليوم المبارك ، في مساجد الله العامرة بالمسلمين ، دليلا على الأخوة الإيمانية ، فهكذا يريدنا الله عز وجل ، إخوةً متحابين متقاربين ، وأن ننقل هذه الأخوة من بيوت الله ، إلى شوارعنا ومجتمعنا ووطننا ، فنتعامل بالأخلاق الكريمة  والمعاملة الحسنة ، والنية الصادقة الصافية ، وإلى التعاون مع المسئولين في بلادنا ، من أجل الأمن والأمان ، والبناء والتعمير، وكشف المفسدين والمخربين ، ومثيري الفتن ومروجي الإشاعات ، وإحباط مخططاتهم ، وهذا يتأتى بتعاون الجميع ، من الشباب المخلصين ، والرِّجال الخيرين ، والشيوخ بدعواتهم الصادقة الصالحة ، وإعطاء الفرصة للمسئولين وصناع القرار في بلادنا ، والصبر عليهم حتى يأتيَ البناء صحيحا سليما مثمرا ،  نسأل الله تعالى أن يعين المسئولين في بلادنا ، ويعيننا معهم ، على مافيه الخير والصلاح للبلاد والعباد ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء ، هذا ثم صلوا وسلموا رحمكم الله ، على سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله ، فقد أُمِرْنَا من ربنا بالصلاة والسلام عليه ، بقوله عز قائلٍ عليما { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمدٍ المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وأصحابه الميامين ، ثم الرضا عن سادتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وكافة الصحب أجمعين ، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر اللهم أعداءك أعداء هذا الدين . اللهم اجعل بلدنا ليبيا ، بلد أمنٍ وأمان ، وهناءٍ واستقرار ، واجعله ياربنا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين. وفق وسدد وأعن ولاة أمورنا ، إلى كل خير يرضيك ويصلح من حالنا وحال بلادنا ، اللهم ارزقنا وإياهم التقوى ، ومن العمل ما تحب وترضى ، وارزقهم بطانة صالحة ناصحة تدلهم على الخير وتعينهم عليه ،  اللهم بارك في الشباب بلادنا ، الذين قاموا بتزيين الشوارع وتنظيفها ، واجعلهم موفقين مسدَّدين في طاعتك يارب العالمين ، اللهم بارك في جيشنا الوطني وثوارنا ورجال الأمن جميعا ،  على ما يقومون به من حماية وتأمينٍ للبلاد والعباد ، واجعل ما تحملوه من برد وعناء ومشقة عن كل ليلة وقفوها أجرا عظيما ، وخيرا عميما ، وبارك في صحتهم وعافهم من كل بلاء يارب العالمين ، اللهم لا تفرق جمعنا هذا في هذا اليوم المبارك وهذه الساعة المباركة من يوم الجمعة إلا بذنب مغفور وسعي مشكور وعمل متقبل مبرور وتجارة لن تبور يا عزيز يا غفور ،  اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا سميع قريب مجيب الدعوات ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار 

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون