جديد المدونة

ما تتطلبه المرحلة الراهنة


ما تتطلبه المرحلة الراهنة

الحمد لله الذي يسَّر للسَّالكين لطاعته الأسباب، ووعد العاملين الجزاء الأوفى وحسن الثَّواب، أحمده سبحانه وأشكره ، هدانا بنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم إلى مناهج الصَّواب، وفضَّله على الأنبياء بما آتاه من الحكمة وفصل الخطاب، وأثْنَى عليه في كتابه الحكيم ، بقوله سبحانه {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }[1] ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يجازي كلَّ من إليه أناب، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلَّم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه الذين صَلُحَتْ سرائرهم ، وكانت ظواهرهم كبواطنهم ، فرضي الله عنهم ووعدهم طوبى وحسن مآب . أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله حيثما كنَّا، وَلْنُرَاقِبَهُ فإنَّه يعلم ما أخفينا وما أعلنا، يقول سبحانه وتعالى{ إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء}[2] .

معاشر المسلمين : إن المجتمعَ المُسْلِمَ لا يكون مُتماسكا ، ولا يكون قويا مُترابطا ، ولا يتوفر له الأمن ولا الأمان ، إلا إذا سار على النهج السوي ، وطبق بين أفراده شرع الله عزَّ وجل ، وهديَّ النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم  ، وسرت بينهم مشاعِرُ الأُخُوَّةِ والْمَحَبَّةِ الصَّادِقَةِ ، والعاطفة والمودَّة ، والثِّقة المتبادلة ، وَتَعَامَلُوا فيما بينهم بهذه الأخلاق الرفيعة ، والعلاقات المتميِّزة ، يقول الله تبارك وتعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }[3]. وقد نَظَّم دينُنَا الحنيف هذه العلاقة ، وأمر المسلم أن يحافظ عليها ويسيرَ على نهجها ، لكي يكون خيِّراً ويحيا بأمن وآمان وسلام ، في صحيح مسلم ، عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ إِنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَىُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ؟ قَالَ « مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ». فهل اتَّبَعنا هذا المبدأ الإسلامي الجليل ، وطبق كلٌّ منا هذه الوصيَّةَ في نفسه ، وفيما بينه وبين أفرادِ مجتمعه ، فلكي نتجنب الفتن والمشاكل، وننعم بالأمن والأمان ، والراحة والاطمئنان ، لا بد لنا من اتِّباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولكن ما نراه يحدث في بلادنا حفظها الله ، من القلاقل التي تحدث من حين لآخر، بين أبناء المجتمع الواحد ، فينتج عنها القتلى والجرحى ، والتدمير للمباني والمنشآت ، ما هو إلا قلة إيمان ، ونزغةٌ من نزغات الشَّيطان ، واتِّبَاعٌ للأهواء ، وبعدٌ عن هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ونهجه القويم ، حيث يقول عليه الصلاة والسلام « لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ ..»[4].. فيجب يا عباد الله: أن يقف هذا العنف والتَّصادم ، الذي لا يجلبُ إلا الخسارة والضغائن، بين أبناء الوطن الواحد .

فوطننا إخوة الإيمان واحد ، علينا أن نلتف حوله ، ونحافظَ على سلامة أرضه ووحدته وخيراته ، وسلامة أبنائه ، وأن يعيش النَّاسُ في المجتمع، متحابين مترابطين متناصرين ، يجمعهم شُعور أبناءِ الأسرةِ الواحدة ، التي تحبُّ بعضَها بعضًا ، وَيَشُدُّ بَعْضَهَا أَزْرَ بَعْض ، يُحِسُّ كُلٌّ منهم أن قُوَّةَ أخيه قوةٌ له ، وَضَعْفَهُ ضَعْفٌ له ، وأنَّهُ قليلٌ بنفسهِ كثيرٌ بإخوانه ، فلنسعى لتحقيق ذلك ، يقول الله جل وعلا  { وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ }[5] .

إن من أشدِّ الرهبات معاشر المسلمين ، هو الوقوف أمام الله تعالى بأعمال صالحة وسيئة  { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا } [6] . فمن قدم أعمال الخير لوطنه وأهلِ وطنه ، لا يرجوا من ذلك شُكْرَ الشَّاكِرين ولا مدح المادحين ، بل حبًّا لله ولرسوله ولوطنه ولأهل وطنه ، فيجازيهم الله يوم القيامة بالجنة ونعيمها فيقول لهم { ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }[7] . ومن كانت أعمالُه سيئة ، لا يراعى حرمة الله ورسوله ، ولا حرمة وطنه وأهله ، يسعى للفساد والخراب ، وزعزعة الأمن والاستقرار، لا ينظر إلى ما فيه من أطفال ، يريدون أن يبصروا نور وطنهم ، وآباءً يريدون أن يسعوا على أبنائهم لتحقيق آمالهم ، وأبناءً يريدون عيشا كريما ، ونساءً يُرِدْنَ الأمن والاستقرار، وشبابا يطمحُ كُلُّ واحدٍ منهم ، أن يرى مستقبله مشرقا مزدهرا ، فيكف تُؤَمَّنُ هذه المتطلبات ، وهناك من ينغص عليهم ذلك ، من الذين عَمِيَتْ بَصِيرَتُهُمْ عن نور الحق ، وركبوا في غيابات عميانهم وضلالاتهم ، يقول الله جل وعلا  {وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً }[8] . فمن حق وطننا علينا إخوة الإسلامِ لِكَيْ يَرْتَقِى ، ونعيشَ فِي أَمْنٍ وسلام ، أن نتسامح ونتصافح ، وتناسي الأحقاد ، اتباعا لأوامر الله ورسوله  ، وحبًّا لوطننا الذي نعيش على أرضه ونأكل من خَيْرَاتِهِ ، والذي سيكون بإذن الله وطنا مباركا ، محروسا لأبنائنا من بعدنا ، فلنضع أيدينا في بعضها بعضا ، ولنعمل أعمالا صالحة من أجل بلادنا وشعبها ، لا من أجل أهوائنا وأطماعنا الخاصة ،، بهذا إخوة الإيمان : يرضى عنا ربنا ، وَيُبَدِّلَ خوفنا أمنا واستقرارا ، وَيُمَكِّنَ اللهُ لنا فوق أرضنا ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ، وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }[9] . نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعا من المؤمنين الصادقين المتقين ، الصالحين المصلحين ، الحريصين على مصلحة بلادهم وشعبها ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه سبحانه ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله الدّاعي إلى رضوانه ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه ، وسلم تسليما كثيرا ،، أما بعد . فيقول الله تبارك وتعالى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[10] . ويقول عليه الصلاة والسلام:« أَكْثِرُوا الصَّلاَةَ عَلَىَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَمَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا »[11]. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وَسَلِّمْ تسليما كثيرا ، اللَّهمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذل الشرك والمشركين ، وَدَمِّرِ أعداءَكَ أعداءَ الدِّينِ ، وأهلِك الطغاة والظالمين ، اللّهمَّ اجعلْ بلدنا ليبيا  سَخاءً رَخاءً ، أمنا وآمانا ، وَسَائِرَ بلادِ المسلمينَ, اللهم جنب عنا وعن بلادنا فساد المفسدين ، وحقد الحاقدين ، وظلم الظالمين ، ومكر الماكرين ، إنك على كل شيء قدير ، اللَّهمَّ آتِ نُفُوسَنا تَقْواها، وزكِّها أنتَ خيرُ مَنْ زكَّاها، أنتَ وليُّها وَمَوْلاها، اللَّهمَّ أصلِحْ لَنَا دينَنا الَّذي هُوَ عصمةُ أمرِنا، وأصلِحْ لَنَا دُنيانَا الَّتي فيها معاشُنا، وأصلِحْ لَنَا آخرتَنا الَّتي إلَيْها معادُنا، واجْعَلِ الحياةَ زيادةً لَنَا في كلِّ خيرٍ، واجْعَلِ الموتَ راحةً لَنَا مِنْ كلِّ شرٍّ. اللَّهمَّ اغْفِرْ لِلمسلمينَ والمسلماتِ، والمؤمنينَ والمؤمناتِ، الأحياءِ منهم والأمواتِ، إنَّكَ سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدَّعواتِ ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم عبادَ اللهِ: { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }[12].



[1] - سورة القلم الآية (4).
[2] - سورة آل عمران الآية (4)
[3] - سورة الحجرات الآية ( 10)
[4] - رواه الإمام أحمد ..
[5] - الأنفال 46 .
[6] - فصلت46 .
[7] - النحل 32
[8] - الإسراء 72 .
[9] - سورة النور الآية 55 .
[10] - سورة الأحزاب الآية 56
[11] - سنن البيهقي .
[12] - سورة النحل الآية 90 .

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون