جديد المدونة

أهمية الأمن للوطن والمواطن

أهمية الأمن للوطن والمواطن

الحمد لله، الذي أفاض علينا من جزيل آلائه أمنًا وإيمانًا ، وأسبغ علينا من كريم ألطافه مَنًا وإحسانًا،أحمده سبحانه وتعالى وأشكره ، وأتوب إليه وأستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، عز ربًا رحيمًا رحمانًا ، وجل إلها كريمًا منانًا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، بعثه للعالمين رحمةً وأمانًا، وأنار به الطريق سنةً وقرآنًا، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه أَكْرِمْ بهم عِلْمًا وَعَمَلاً وعرفانًا، والتَّابعين ومن تبعهم بإحسان يرجو رحمة ورضوانًا ، وجنةً وغفرانًا ، وَرَوْحًا وريحانًا، وسلم تسليمًا كثيرًا . أما بعد: فأُوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، فاتَّقوا الله رحمكم الله، فَأَكْرَمُ النَّاسِ عند الله أتقاهم، وَأَكْرَمِ الخلق على الله نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، رسولُ الله ومُصطفاه، وخليلُه ومُجتباه ، وقد أمره بقولهِ عَزَّ شأنه { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 1.

فاتَّقُوا الله رحمكم الله، واسمعوا وأطيعوا، فطُوبَى لِمَنْ سمِع فوعَى، ثم طُوبَى لمن تَذَكَّرَ لَحْدَه يَوْمَ يُوضَع فيه وحده، يوم يُنفَخ في الصور، ووُضِع الكتاب، وتقطَّعَت الأسباب، فَشَخَصَتِ الأبصار، فإما إلى الجنة وإما إلى النار، {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ، كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا ، الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ،هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ ، إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 28، 29]

أيها الإخوة المسلمون : إن من أجلِّ النعم وأعظمها، بل وكثيرٍ من النعم تقوم عليها، وتؤدَى من خلالها: نعمة الأمن والأمان في الدور والأوطان، والهدوء والاستقرار، هذه النعمة لا يعرف قيمتها وأهميتها وعظم شأنها ، إلا من ذاق مرارة فقدانها، وقد عشنا ولازلنا نعاني في بلادنا ، من فقدان هذه النعمة ، والتي نرجوا من الله جل وعلا ، أن يمتعنا بها قريبا ، وأن نعيشها واقعا ملموسا ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ..

إخوة الإيمان والإسلام: إن الحديث عن الأمن يتناول زوايا عدة , ويبعث على تساؤلاتٍ مهمة , فما هي مقومات الأمن ؟ وما هي مقوضات الأمن ؟ وكيف المحافظة على الأمن ؟ ومن المؤهل للمحافظة على الأمن ؟ ومن هو المتسبب في فقدان الأمن ؟ كل هذه الجوانب وهذه التساؤلات وغيرها يجب ألا تغيب عن بال العقلاء ، فالأمن له مقومات لا يحصل إلا بالإتيان بها ، أولها وأعظمها وأهمها ، ما ذكره الله في محكم تنزيله ، هو الإيمان وعدم الإشراك بالله ، حيث قال سبحانه {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ ، أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }الأنعام82  .. وثاني المقومات : الحكم بما أنزل الله , وإيصال الحقوق إلى أهلها , ومنع الظالم من الظلم , والقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت. وأما مقوضات الأمن ، فهي فقدان مقوماته ، وإحلال محلها الظلم والعدوان والتسلط والاستبداد , فيأبى الله أن يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة فقد قال سبحانه { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }النساء141.. كما أن نتائج فقدان الأمن لا تعد ولا تحصى: سفكٌ للدماء , وإهلاك للممتلكات والحرث والنسل , وفقدانٌ لمقومات الحياة وسعادتها، وأساسياتها من المأكل والمشرب والمسكن , تعطلٌ في الصادرات والواردات , وفقدانٌ لمقومات الأمن كلها . وإن ما يحصل اليوم في بلادنا من خروقات أمنية ، لجدير بأن نقف عندها ، ونسارع لعلاجها ، سواء على مستوى الفرد أو الجماعة ، أو من خلال المجالس العسكرية بالمحلات ، بالكتائب الْمُشَكَّلَةِ دَاِخلِ مدينة سبها ، فلهم الدور الفعَّال في تأمين مناطقنا ، وهذا لايتأتَّى إلا بالدعم المالي والمعنوي لهم ، ثم بتعاون الناس مع هذه الجهات ، حتى يستتب الأمن ، وتستقر البلاد وتعود الحياة إلى طبيعتها ، وهي الآن بدأت تعود تدريجيا لبلادنا ، فلله الشكر والحمد والمنة .

أيها الإخوة المؤمنون : إن شكر نعمة الأمن تَضْمَنُ استتبابه واستمراره , والشكر يكون بالقول والفعل والاعتقاد بالجنان ، ولكن مما يؤسف له ويحزُّ في النفس ، أنك تسمع من بعض الناس ، كلاما يوحي بتمنيهم اختلال الأمن في بلادهم , يدعون على وطنهم بالخراب والدمار وعدم الصلاح ، وحصول الفوضى والاضطرابات فيه ، تصوروا أن هناك أناسا يتمنون ذلك ، رغم أنهم يعيشون على أرضه ، ويحملون اسمه ، ويتنعمون بخيراته ، فكيف تطاوع هذا الشخص نفسه ، أن يدعوا بالويل والثبور على وطنه وعلى أبناء وطنه ، كيف يرضى ذلك ومن بينهم أبوه وأمه وإخوته ، وزوجته وأولاده ، وجيرانه وأحبابه وأصدقاؤه ، كيف يطاوعه لسانه أن يتفوه بهذا القول السيئ ، وربما يكون أول الهالكين به ، وَيُمَزِّقُهُ ربه جل وعلا ويجعله عبرةً لغيره ، ويندم عليه أشدَّ الندم ، فلا يوجد لهؤلاء مثلا إلا كمن قال الله فيهم أنهم قالوا { رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ– قال الله تعالى عنهم : { فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }سبأ19 . كانوا في نعمة من الأمن والراحة ورغد العيش ، ولكن بطغيانهم ملُّوا وسئموا تلك الحال , وقالوا: ربنا اجعل قُرانا متباعدة، ليبعد سفرنا بينها, فلا نجد قرى عامرة في طريقنا, وظلموا أنفسهم بكفرهم فأهلكهم الله , وجعلهم عبرًا وأحاديث لمن يأتي بعدهم, وفَرَّقهم كل تفريق وخربت بلادهم , فانتبه واحذر أيها المسلم أن تدعوا على وطنك وعلى أهل بلدك بالسوء ، وتقدم أهواءك ومصالحك الشخصية ، على مصلحة بلادك ووطنك ، لأن هذا من ضعف الإيمان ، وهذه الأهواء والمصالح الشخصية التي جعلتك تكره وطنك ، قد تكون سببا في ضياع إيمانك ، وسلب الأمان منك ، ومن ثم هلاكك نسأل الله السلامة والعافية . وصدق من قال:

إِذَا الإِيمَانُ ضَاعَ فَلاَ أَمَانٌ     ---  وَلاَ دُنْيَا لِمَنْ لَمْ يُحْيِ دِينَا

وَمَنْ رَضِيَ الحَيَاةَ بِغَيْرِ دِينٍ  ---  فَقَدْ جَعَلَ الفَنَاءَ لَهَا قَرِينَا

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ ، كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ، وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ، يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ، وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }النور55 . جعلنا الله من المؤمنين المتقين ، الآمنين في أوطانهم ، الصالحين المصلحين ،أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ...

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله ، إمام المتقين ، وقدوة الناس أجمعين ، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون : لا خير في الحياة ، إذا فقد منها الأمن , ولا سعادة للمرء ، وهو خائف على نفسه وأبناءه وماله , بل لا عبادة لله على الوجه الأكمل ، في ظل فقدان الأمن ، فإن الوصية للجميع - أيها الإخوة - بعد تقوى الله سبحانه , أن يشاركوا في حماية وتأمين بلادهم ، وأن يكون الحسُّ الأمني عند كل مواطن ، ولا يرضى لبلاده الدمار أو الخراب ، فإن لم نتكاتف جميعا ونتعاون، لن تستقر بلادنا ولن تكون آمنة ، وكذلك سؤال الله تعالى العافية ، والدعاء للوطن بالخير دائما ، فإن الجهال من الناس ، الذين يتمنون فقدان الأمن في بلادهم ، جهلا منهم بالشرع , وجهلا منهم في عواقب الأمور , نتمنى أن يعودوا إلى رشدهم ، وأن يتوبوا إلى ربهم ويستغفروه ، ويسألوه السلامة والعافية لبلادهم وإخوانهم . وعلينا نحن أيضا أن نسأل الله العافية والسلامة لبلادنا وأهلها ، ولجميع إخواننا المسلمين في سوريا وفي العراق وفي تونس وفي ومصر واليمن , وفي جميع بلاد المسلمين , كما نسأله سبحانه ، أن يولي على المسلمين الأخيار ، وأن يكفيهم شر الأشرار . هذا ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرايا ، المخصوص بأزكى التحايا، تفوزوا بالرحمات والعطايا، والأجور والسنايا ، فقد أمركم المولى الرحيم ، في كتابه الكريم ، فقال عَزَّ مِنْ قائلٍ عليم {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56 . اللهم صل وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين .. اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداءك أعداء الدين ، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً ، سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين ، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين ، اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا واجتماعنا ، اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوء أو مكروه ، أو فتنة أو فساد أو عدوان أو ظلم ، فاجعل تدبيره تدميره ، ورد كيده ومكره وفتنته وعدوانه وظلمه في نحره يا رب العالمين ، ومن أراد لبلادنا الخير والأمن والأمان ، والرفعة والتقدم والازدهار ، فأعنه واحفظه بحفظك ، واكلأه بعنايتك ورعايتك ، فأنت خير الحافظين ، اللهم أعن أصحاب المسئوليات من الوطنيين الخيرين ، المحبين لبلادهم ، اللهم أعنهم على مسئولياتهم ومهامهم ، وبارك في أوقاتهم وأعمارهم ، واجعلهم حريصين على مصلحة ليبيا وشعبها ، وتقدمها وازدهارها ، والسيرِ بها نحو الأفضل والأحسن دائما يارب العالمين . اللهم زودنا بالإيمان والهدى ، والصلاح والتقوى ، اللهم ارزقنا الوداد والمحبة فيما بيننا ، ، اللهم أصلح أحوالنا ، وبلغنا مما يرضيك آمالنا ، واختم ياربنا بالباقيات الصالحات أعمالنا ، وبالسعادة آجالنا ، وتوفنا وأنت راض عنا يا كريم ، اللهم توفنا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين ، واغفر اللهم لنا ولولدينا ولمشايخنا ، ولأبنائنا وبناتنا وأصدقائنا وجيراننا وأحبابنا، ولجميع المسلمين يا رب العالمين ، واغفر اللهم لمن أسس وأوقف على هذا المسجد ، ولمن يقوم على خدمته يا أرحم الراحمين ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ، وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا ، رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ .... 

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون