الإصلاح المصلحين
الإصلاح المصلحين
الحمد لله رب العالمين ، يحب الصالحين المصلحين ، ولا يحب المفسدين الطالحين ، نحمده سبحانه ونشكره ، والله يحب المتقين الشاكرين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، القائل سبحانه وتعالى {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، قِيلَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ « نَعَمْ ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ » . اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ، طب القلوب ودوائها ، وعافية الأبدان وشفائها ، وخير البرية وأطهرها وأزكاها، وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليما كثيرا .. أما بعد :
فيا أيها الناس : اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة ، واعلموا أن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً ، وأصلحوا ذات بينكم ، واعلموا أن الله تعالى يُحب الصالحين ، ويُجزل الأجر والثواب للمُصلحين ، الذين يسعون في الأرض للإصلاح بين الناس ، وتأليف قلوبهم ، وغرس المحبة في نفوسهم ، فهم بذلك من مفاتيح الخير ومغاليق الشر .
معشر المسلمين : جرت العادة في هذه الحياة الدنيا ، أن يكون بين الناس بعض المُشكلات والمنازعات ، والخصومات والخلافات ، التي تكون نتيجةً لاختلاف الآراء والأهواء ، وتباين الرغبات والاتجاهات ،، ومن الطبيعي ، أن ينتج عن ذلك الخلاف والاختلاف ، وقوع الهجر ، وحصول القطيعة ، وانتشار العداوة والبغضاء ، وتفرق الكلمة ، وتشتيت الشمل ، ونحو ذلك مما لا يُحبه الله ولا يرضاه ، ولاسيما بين الإخوان والأقارب والجيران .
أما أسباب ذلك فكثيرةٌ ومختلفة ، إذ إن منها ما يكون لاختلاف المصالح والمنافع ، ومنها ما يكون راجعًا للحقد والحسد ، ومنها ما يرجع سببه إلى كيد الشيطان ومكره { أعاذنا الله منه } ، ومنها ما يكون نتيجةً لحديث النفس الأمارة بالسوء ، ومنها ما ينتجُ عن الهوى المضل عن سبيل الله ، ومنها ما يكون بسبب الشُح المهلك ، أو بسبب الغيبة والنميمة المفسدة ، ومن الأسباب اشتباه الأمور وعدم وضوح الرؤية ، ومنها التحريش بين الناس ، ومنها ما يحدث الآن في بلادنا من فتن واختلاف وخلافات، إلى غير ذلك من الأسباب والمُسببات الكثيرة ، التي قد تأتي متفرقةً أو مجتمعة ، والتي يحصل لأجلها الخلاف والفُرقة ، وتقع بسببها الفتن والمحن ، وتنتشر نتيجةً لها ، القطيعة والبغضاء بين الناس ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . وليس هذا فحسب ، فإن من المصائب التي قد تترتب على تلك الفُرقة والقطيعة ، والهجر والخصام ، ما نراه من صور العداوة والبغضاء ، بين الأخ وأخيه ، والقريب وقريبه ، والصاحب وصاحبه ، والأب وابنه ، والرجل وزوجته ، فربما هجر الولد أباه ، والأخ أخاه ، وربما آذى الجارُ جارَه ، وربما خوَّن الشريك شريكه ، وربما نتج عن ذلك تفرق الجماعة الواحدة ، وتشتت الكلمة ، وضياع الكثير من الحقوق والواجبات ،الأمر الذي تكون نتيجته - والعياذ بالله - أن يدب الخلاف بين الناس ، وتشتد الخصومة بينهم ، وتفسد النيات ، وتتغير القلوب ، وتتدابر الأجسام ، وتعبس الوجوه ، وتتناكر الأنفس ، وتتهاجى الألسن ، بل وتصعدت المواقف لتصل أخيرا إلى سحب السلاح في وجوههم ، وتهديد بعضهم البعض بالقتل ، من أجل أشياءٍ لا يملكون تغييرها ولا حلها ، إلى غير ذلك مما لا تُحمد عقباه من الأقوال والأفعال ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم .
إخوة الإيمان : إن الأمر خطيرٌ جدًا ، ويجب أن يعي الناس خطورة هذا الأمر وتطوراته ، وأن يُرَشِّدُوا أبناءهم وينصحوهم بعدم التورط في الدماء ، وتهديد بعضهم البعض من أجل أفكارهم وتوجهاتهم ، بل يجب حثُّهم على أن يكونوا متسامحين ، صالحين مصلحين ، اسمعوا أيها الشباب يا من تندفعون وتنساقون بالعواطف ، اسمعوا إلى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم ، محذرا لكم وللجميع ، من التورط في الدم المحرم ، ففي صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِى فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا » . فإياك إياك ، إياك إياك أيها الشاب ، أن تتهور وتسعى لقتل أحد من أجل هذا أو ذاك ، فتخسر دنياك وآخرتك ، في سنن البيهقي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« يَجِىءُ الرَّجُلُ آخِذًا بِيَدِ الرَّجُلِ ، فَيَقُولُ يَا رَبِّ هَذَا قَتَلَنِى ، قَالَ فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَ قَتَلْتَهُ ، فَيَقُولُ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لِفُلاَنٍ ، فَيَقُولُ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لِفُلاَنٍ ، بُؤْ بِذَنْبِهِ ». فلا تُحَمِّلُوا أنفسكم ذنوبكم وذنوب غيركم ، وآثامكم وآثام غيركم .. فيا أيها العقلاء ويا أيها الآباء ويا أيها المصلحون ، انصحوا أبنائكم ، وحثُّوهم على الحلم والتسامح ، والصفح والعفو ، والتصالح والتغافر ، وتقبُّل بعضهم البعض ، وقبول أعذار بعضهم ، وأن يكونوا إخوانا متحابين متعاونين ، لحماية بلدهم من المخربين والمفسدين .
إخوة الإيمان : ثم إني أتوجه بالحديث ، إلى بعض الأشخاص ، من ضعفاء النفوس، وهم قلة قليلة ، هؤلاء الذين يقومون بالاعتداء على المنشاءات والمرافق العامة والخاصة ، وسرقتها وتخريب محتوياتها ، أن يعلموا أنهم مراقبون ومتابعون وتم رصد بعضهم من قبل شباب هذا الوطن ، وستتم محاسبتهم وتقديهم للعدالة ، ولن يفلتوا بإذن الله من الحساب العقاب ، وإن فلتوا من الحساب في الدنيا فعقوبة الله تنتظرهم في الأخرى ، نسأل الله تعالى أن يردهم إلى رشدهم ، وأن يهديهم إلى عيوب أنفسهم ، وأن يتوقفوا عن هذه الأعمال المشينة المخزية ، وأن يعلموا أنهم على خطر عظيم ،، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ ، وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً ، أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ ، أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ، ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ، وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } المائدة33 . جعلني الله وإياكم من الصالحين المصلحين ، وحفظنا الله وحفظ بلادنا من المفسدين والمخربين ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ،إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعــد: عباد الله : كلمة أخيرة نتوجه بها ، إلى من يحملون السلاح ، ويقومون بإطلاق الأعيرة النارية هنا وهناك ، وفي كل وقت من ليل أونهار، أن يراعوا أنهم يعيشون بين أحياء سكنية ، وهذه الأعيرة تتساقط فوق الرؤوس ، تقتل البعض وتجرح البعض الآخر، وتثير الفزع والقلق بين المواطنين ، وخاصة الأطفال والنساء ، الذين لا يستطيعون النوم ولا الراحة ، بل إن بعضاً من النساء تعرضن للإجهاض بسبب هذا الإطلاق المكثف والمفزع للرصاص ، لأن هؤلاء الأشخاص ليس لهم وقت ، فكل الأوقات أصبحت مباحة لإطلاق هذه الأعيرة ، وبجميع أنواع الأسلحة ، خفيفها وثقيلها ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ،، وهذه إخواني ليست من أعمال الفرد المسلم ، الذي يجب أن يكون حريصا على سلامة إخوانه ، وأمنهم وعدم إقلاق راحتهم ، في سنن الترمذي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ». فاتقوا الله عباد الله ، وتناصحوا فيما بينكم ، لإيقاف مثل هذه الأعمال ، التي تثير الفزع والخوف والقلق بين الناس .. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الصالحين المصلحين ، وأن يوفقنا جميعًا لصالح القول والعمل والنية ، وأن يجعلنا ممن يستعملهم في طاعته ، وأن نكون مفاتيح للخير ومغاليق للشر ، إنه على كل شيءٍ قدير . هذا وصلّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على الحبيب المصطفى ، فقد أمركم بذلك ربكم جل وعلا فقال : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْه وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }. اللهم أعز الإسلام وانصر المُسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ودمِّر أعداءك أعداء الدين ، واكفنا اللهم وإخواننا المسلمين في كل مكانٍ من كيد الكائدين ، ومكر الماكرين ، وحسد الحاسدين ، وفساد المُفسدين . واحفظنا واحفظ بلادنا من عدوان المعتدين ، ومن ظلم الظالمين ، ومن كل معتد أثيم ، اللهم تقبل شهداءنا ، وارحم موتانا ، وأغفر لنا وارحمنا ، وأغفر اللهم لآبائنا وأمهاتنا ، وأبنائنا وبناتنا ، وإخواننا وأخواتنا ، وأزواجنا وزوجاتنا ، وأحيائنا وأمواتنا .اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته ، ولا همًا إلا فرجته ، ولا كربًا إلا نفّسته ، ولا دينًا إلا قضيته ، ولا مريضًا إلا شفيته ، ولا مُبتلى إلا عافيته ، ولا أمرًا عسيرًا إلا يسرته ، ولا غائبًا إلا رددته ، ولا حاجةً من حوائج الدنيا هي لك رضى ولنا فيها صلاحٌ إلا أعنتنا على قضائها يا رب العالمين . اللهم إنك ترى ما نحن فيه من الشدة ، وتعلم ما نحن في حاجةٍ إليه من رحمتك ، فلا تحرمنا فضلك يا واسع الفضل ويا كريم العطاء ، اللهم تداركنا برحمتك ونجنا من الغم والهم ، اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخشاك ولا يرحمنا ، اللهم يا مغيث أغثنا ، اللهم يا مُغيث أغثنا ، اللهم يا مُغيث أغثنا ، ونجنا من الهم والغم ، واكشف الكرب عنا وعن بلادنا يا رب العالمين ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ..
ليست هناك تعليقات