جديد المدونة

وقفة محاسبة

وقفة محاسبة مع بداية العام

الحمد لله خالق الأكوان ، ومقلب الدهور والأزمان ، نحمده سبحانه ونشكره ، جعل في تقلب الأيام عبرة لمن يتدبرها من بنى الإنسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، { يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ }النور44 ، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله ، دَخَلَ صلى الله عليه وسلم ،عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِى الْمَوْتِ فَقَالَ « كَيْفَ تَجِدُكَ ». قَالَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أَرْجُو اللَّهَ وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَجْتَمِعَانِ فِى قَلْبِ عَبْدٍ فِى مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو، وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ ». أخرجه الترمذي. صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه ، ومن سار على نهجهم واقتفى الخطى إلى يوم الدين بإحسان . أما بعد : فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وطاعته ، فاتقوا الله رحمكم الله ، وبادروا بالأعمال الصالحة ، وجدُّوا في العمل قبل انقضاء الآجال ، وذهاب الأعمار ، واعتبروا بمن سبقكم ، فالقبر أمامكم ، والموت يطلبكم ، فمن قدم عملا صالحا ، وجده روضة من رياض الجنة ، ومن لم يكن له عملا صالحا ، وجده حفرة من حفر النيران . { أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فصلت40 .
أيها الإخوة المسلمون: ودعنا موسما عظيما من مواسم الخير والطاعات ، وهو شهر ذي الحجة ، شهر الحج إلى بيت الله الحرام ، وبانتهاء هذا الشهر ، نكون قد ودعنا عاما مضى من أعمارنا ، مضى ولن يعود ، مضى بما فعلناه فيه من خير أو شر ، خسر فيه من خسر ، وربح فيه من ربح ، مضى ليقربنا من الموت أكثر ، فنسأل الله تعالى أن يكون شاهدا لنا بالخير ، كما نسأله أن يتقبل منا ما أودعناه فيه من صالح الأعمال ، وأن يغفر لنا ماكان منا من الذنوب والسيئات .. نودع عاما لنستقبل بعده عاما آخر ، فهل سيكون أفضل من سابقه ، أم أنه سيكون أسوأ ، حق لنا ونحن نقف على أعتاب العام ، أن نحاسب ونسائل أنفسنا ، ونراجع أحوالنا وأعمالنا هل كانت صالحة ، أم أنها خائبة خاسرة ، فقد أفلح من حاسب نفسه ، وعاتبها على إهمالها وتقصيرها ، فالمحاسبة سمة من سمات المؤمن ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ». وَمَعْنَى قَوْلِهِ « مَنْ دَانَ نَفْسَهُ ». أَيْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِى الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ، أنه قَالَ حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ ، وَإِنَّمَا يَخِفُّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِى الدُّنْيَا. وَيُرْوَى عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ : لاَ يَكُونُ الْعَبْدُ تَقِيًّا ،حَتَّى يُحَاسِبَ نَفْسَهُ كَمَا يُحَاسِبُ شَرِيكَهُ، مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُهُ وَمَلْبَسُهُ. { رواه الترمذي} فمن حاسب نفسه في الدنيا ، خف في القيامة حسابه ، وحسن منقلبه ، يقول سبحانه وتعالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ، وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }الأنبياء47 .
كَأَنِّي بِنَفْسِي فِي الْقِيَامَةِ وَاقِفٌ      -- وَقَدْ فَاضَ دَمْعِي حِينَ أُعْطَى كِتَابِيَا
لِعِلْمِي بِأَفْعَالِي وَسُوءِ مَنَاقِبِي       -- وَأَنَّ كِتَابِي سَوْفَ يُبْدِي الْمَسَاوِيَّا
فيا أهل الذنوب أمثالي ، سوف نسأل عن كل ساعة مرت علينا ، بل عن كل لحظة من حياتنا، فيا حزنك يا من تركت بيوت الله مفتوحة يصلي فيها المصلون ، ويقرأ فيها المقرئون القرآن، ويسبح فيها المسبحون ، ويذكر فيها الذاكرون ، وأنت جالس في بيتك لتشاهد التلفاز ، لتتابع مسلسلاً أو فلماً في قناة ، أو مباراة كرة قدم في قناةٍ أخرى ، وغيرها من الجلسات اللاهية التي لا تخلوا من غيبة أو نميمة ، تُضَيِّعُ بسببها الصلاة مع الجماعة ، فتكون بذلك هاجرا لبيوت الله ، والله سوف يسألك عن هذه الأوقات ، وهذه الجلسات .. وأنت يا من ظلمت أخوك المسلم ، بفعلٍ أو بكلمة سوء ، أو بأخذ حق منه ، احترز من هذه المظالم ، فإن من كانت عليه مظالم ومات قبل ردِّها ، فإن غرماءه يحيطون به يوم القيامة ، فهذا يقول : ظلمني ، وهذا يقول : استهزأ بي ، وهذا يقول : أساء جواري ، وهذا يقول : غشني ، وهذا يقول : أخذ حقي ، وهذا يقول : شتمني وسبني ، فلا خلاص لك من أيديهم ، فإذا توهمت الخلاص قيل لا ظلم اليوم . عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ - رضى الله عنه - قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ ، فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ ، مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِى الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا ، أُذِنَ لَهُمْ فِى دُخُولِ الْجَنَّةِ . » رواه البخاري. وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ » رواه مسلم. فاحذر أن تكون مفلسا يوم القيامة ، وحاسب نفسك يأخي المسلم ، واتق دعوة المظلوم ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ ، فَقَالَ « اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ » .رواه البخاري . حاسب نفسك على الكلمة التي تنطقها ، فإن كانت غيبة أونميمة ، ابتعد عنها وامنع لسانك من قولها ، وتذكر قول مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، لِرَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، عندما قال ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ، فَقَالَ له عليه الصلاة والسلام « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِى النَّارِ - أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ». وضع نصب عينيك دائما قول المولى جل وعلا {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ق18 .. فينبغي للعبد المسلم ، أن يحاسب نفسه على الأنفاس ، وعلى معصية القلب والجوارح في كل ساعة ، فإن الإنسان لو رمي بكل معصية يفعلها حجرا في داره ،لامتلأت داره في مدة يسيرة ، ولكنه يتساهل في حفظ المعاصي وهي مثبتة عليه ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا، أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }المجادلة6 .. بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..


الخطبة الثانية


الحمد لله هدم بالموت مَشِيد الأعمار ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأتوب إليه وأستغفره حكم بالفناء على أهل هذه الدار . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة من النار ، وأشهد أن سيدنا وأمامنا محمد عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه المهاجرين والأنصار ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار . أما بعد ..
إخوة الإيمان : لِنَرْجِعْ بصفحات حياتنا إلى الوراء، منذ أن بدأ العام الماضي ، فنراجع أنفسنا ، كثيرة هي الحقوق والواجبات التي علينا ، فهل أديناها كاملة ، وتقبلها الله منا ، أم أنها رفعت ناقصة ؟ .
فبماذا أيها الإخوة ، نستقبل عامنا المقبل الجديد؟؟ وبماذا نتعظ ونعتبر ، فكم من أناس كانوا معنا، إما نراهم أو نعرفهم ، أو سمعنا عنهم ، قد طويت صفحاتهم ، وغادروا من هذه الدنيا ، رحلوا رحلةً بعيدة ، لن يرجعوا بعدها إلى الدنيا ، بكيناهم وافتقدناهم ، وتحسرت نفوسُنا على فراقهم ، اللهم فارحمهم ، وارحمنا إذا صرنا إلى ما صارو اإليه ، بدأ عام جديد لم يلحقوا به ، انقضت أعمارهم ، وبقيت أعمالهم ، فهل أخذنا العظة والعبرة من هذه الحقيقة الربانية ؟ التي نقر ونعترف بها ، ولكننا نتناساها ..
إننا إخوة الإيمان : لازلنا على هذه الحياة ، لا زالت قلوبنا تنبض بالحياة ، ونتنفس هواؤها ونرى تقلباتها، ونعيش لحظاتها، إذاً فلنبدأ صفحة جديدة ،بيضاء نقية، ونعاهد أنفسنا أن لا نكرر نفس الأخطاء ، التي ارتكبناها سابقا، بل نتفحصها جيدا ، إن كنا أحسنا، فلنستمر في إحساننا، وإن كنا أسأنا في حق ربنا أو أنفسنا ،أو أهلنا وذوينا أو مجتمعنا، فلنتجنب هذه الإساءة والتقصير. لنبدأ مجدداً بقلوب بيضاء صافية نقية سليمة ، فالقلب التقي النقي الخفي ، هو اقرب وأحب القلوب إلى الله سبحانه وتعالى، وهو الذي لا حقد فيه ولا غل ولا حسد . لنعاهد أنفسنا في بداية العام الجديد ،على طاعة الله ، والإكثار من الأعمال التي تقربنا إلى الله، وكثيرة هي الأعمال الصالحة التي نغفل عنها، فمن مزايا هذه الأمة، أن فتح الله لهم أبواب الخير الكثيرة ، وخير ما نفتتح به العام ، الصيام ،عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ ».رواه مسلم . وعندما سئل صلى الله عليه وسلم عن صيام عاشوراء قال « وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ ». رواه مسلم ..
إخوة الإيمان : لازال في الحياة رمق، ولا زال في العمر سعة إن شاء الله ، ولا زال باب التوبة مفتوحا لم يغلق ، ولازالت القلوب تنبض بالإيمان وحب الحياة ، لنجعل من العام الجديد ، بداية حقيقية مفعمة بالحب والخير، والجد والتسامح والعفو ، والصفح والعطاء. اسأل الله العظيم أن يجعله لنا ولجميع المسلمين عام خير وبركة، وان يعطينا خيره وان يكفينا شره ، اللهم اجعلنا من السابقين للخيرات .و اجعلنا ممن طالت أعمارهم وحسنت أعمالهم ولا تجعلنا ممن طالت أعمارهم وساءت أعمالهم اللهم أوزعنا شكر نعمتك وألبسنا لباس التقوى اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين اللهم اجعل عامنا الجديد عام صلاح وفلاح للإسلام والمسلمين ، هذا ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه في قوله عز من قائل عليما { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بجودك وإحسانك وكرمك يا أكرم الأكرمين اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين .. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمعلمينا ولمن أوصانا وأوصاكم بصالح الدعاء ولمن تصدق على هذا المسجد ولمن كان سببا في إنشائه ولمن أوقف عليه ولمن يقوم على خدمته اللهم اجعل ماقدموه في ميزان حسناتهم وفي صحائف أعمالهم واجعلنا وإياهم في الفردوس الأعلى يا أرحم الراحمين .

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون