جديد المدونة

العام الدراسي الجديد

بداية العام الدراسي الجديد

الحمد لله الذي له الأسماءُ الحسنى وكاملُ الصفات، فاوت بحكمته بين المخلوقات، ورفع أهل العلم أعلى الدرجات، فقال سبحانه {يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍ} . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أبان لنا طرق الخيرات، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله ، أكمل الخلق وخير البريات، القائل صلى الله عليه وسلم- « مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ». صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ، الذين فضلهم الله بالعلم النافع والأعمال الصالحات، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان مادامت الأرض والسماوات ، وسلم تسليماً كثيراً .أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله { وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ..
إخوة الإيمان : إن للعلم مقامٌ عظيمٌ في شريعتنا الغراء ، فأهل العلم هم ورثة الأنبياء ، وفضل العالم على العابد كما بين السماء والأرض .
مَا الْفَضْلُ إِلاَّ لأَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُـمُ    -- عَلَــى الْهُــدَى لِمَنِ اسْتَهْدَى أَدِلاَّءُ
وَ قِيمَةُ الْمَرْءِ مَا قَدْ كَانَ يُحْسِنُهُ   -- وَالْجَاهِلُـــــونَ لأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ
فَقُمْ بِعِلْمٍ وَلاَ تَطْلُبْ بِهِ بَـــــدَلاً     -- فَالنَّاسُ مَوْتَى وَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَاءُ
قدم رجل من المدينة المنورة على أبي الدرداء رضي الله عنه وهو بدمشق، فقال ما أقدمك يا أخي ؟ فقال : حديثٌ بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال : أما جئت لحاجة ؟! قال : لا .
قال : أما قدمت لتجارة ؟! قال : لا .
قال : ما جئت إلا في طلب هذا الحديث .
فقال له أبو الدرداء : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض ، حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد ، كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة الأنبياء ، وإنَّ الأنبياء لم يُوَرِّثُوا دينارا ولا درهما ، إنما وَرَّثُوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر } .
معاشر المسلمين: وبمناسبة بداية العام الدراسي الجديد ، فهذه رسائل أتوجه بها إليكم في خطبتي هذه ، طلاباً ومعلمين وآباء ، علَّها توقظ فينا الهمم ، وتدفعنا نحو الجد والاجتهاد في طلب العلم .
الرسالة الأولى إلى الطلاب والطالبات: أيُّها الطلاب رعاكم الله : أوصيكم بطلب العلم بإخلاص وتجرّد، والله يسدّدكم ويؤيدكم، فإن كنتم تريدون العلم النافع فهو عزيز المنال، يَلْزَمُ أَنْ تُحْسِنُوا فيه المقال، وأن تتزينوا بأخلاق العلم، وأن ترتدوا لبوس العلماء، كونوا صبورين ، أصحاب أخلاق رفيعة وهمم عالية، فلن ينال العلم مستكبر ولامستح ولا أحمق، ولتعلموا، بل ليعلم الجميع ، أن الأمة والأجيال الناشئة ، إذا لم تقدر معلميها ومربيها ، فعلى الأمة السلام. وتذكروا قول حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم : « مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ». واجعلوا في سويداء قلوبكم ، قول المولى جل وعلا: { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ } . جِدُّوا واجتهدوا ، ولا يغرنكم كثرة البطالين ، فإن ابن عطاء الإسكندري يقول: "من لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة". ولا تجعلوا نياتكم في طلب العلم لتنالوا به الرتب وتستلموا به الشهادات وترتقوا به في درجات الوظائف والمرتبات فقط . ولكن اجعلوا من العلم سلما تنالون به رضا ربكم ، وترفعون به من شأن أوطانكم، وترتقون به إلى الجنة ، جعلنا الله وإياكم من أهلها.
الرسالة الثانية إلى المعلمين والمعلمات: إلى رعاة الجيل وأمنة التعليم ، ورواد العلم وسُلّم الرقي، أنتم بيت القصيد ومحط الركب، بين أيديكم عقول الناشئة وَعُدَّةُ المجتمع وأمله، عليكم تعقد الآمال، ولسنوات عدة تحط عندكم الرحال، نبيكم أكبر شأنكم وأعلى مقامكم، ألم يقل فيما صح من سنته: « إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِى جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ ». فجمِّلوا عملكم بالإخلاص، فأجر الدنيا آت، وإلا فأجر الآخرة أعلى وأبقى. كم هَدَى الله بكم من ضال، وكم أَنْقَذَ بكم من عمى، وكم بَصَّرَ بكم من جهل. أنتم مشاعل الهدى ومصابيح الدجى، كلاَّ ليس هذا خيالاً أو تلاعبًا بالأقوال، بل هو الحق ـ وربي ـ أقوله. ابذلوا ما تستطيعون، وقدِّموا ما تطيقون، زاحموا الشر الذي ترون، واعلموا أن الله يؤيدكم ويسددكم، والحق أبلج، والزبد جفاء.
تخلقوا بالخُلُق الحسن، اصبروا وارحموا واعطفوا، فإن من المعلمين ،من تبقى ذكراه عاطرة في أذهان طلابه، ومنهم من لسان حال طلابه ومقالهم، مستريحٌ ومستراحٌ منه. واعلموا أن الدَّارسين يسمعون بأعينهم ، أكثر من سماعهم بآذانهم، فالقُدْوَةُ الحقة تكون بالفعال قبل الأقوال. سدد الله خطاكم ، وبارك لكم في أعمالكم وأقوالكم ..
وأما الرسالة الثالثة فهي إلى الآباء وأولياء الأمور: أقول فيها: معاشر الأولياء، أنتم شركاءُ للمدرسة في مسؤوليتها، وَإِنَّهُ لَيُشْكَى دائما مِن قِصر نظر بعض أولياء الأمور، تسأله عن ابنه ، فَيُبَادِرُكَ أن قد أكمل الجوانبَ الفنية ، والوسائل الْحَاجِيَّةَ، فقد أَمَّنَ له الأدوات المدرسية، بل وبالغ فيها وأسرف ، وشكّل ولون، حتى إنك لتجد بين يدي الطلاب غرائب الأدوات ، مما لا حاجة لهم بها، بل وربما كسر قلوب الفقراء ، الذين لا يجدون ما يوفرون به هذه المتطلبات، لفقره وَقِلَّةِ ما بيده، لذا فإن من تمام نعم الله ، أن يقوم المحسنون، سواء من جمعيات خيرية أو أفرادا ، في هذا البلاد المباركة ، بمشاريع الحقائب المدرسية، والتي توزع على أبناء الفقراء، وفيها ما يحتاجونه من أدواتهم، فلا تحرمنّ نفسك المشاركة في الأجر، فقلَم يكتب به مِن صَدَقَتِكَ كفى به أجرًا كثيرًا .. ويأتي السؤال مرة أخرى للأولياء والأباء ، وكلنا ذاك الاب: هل تابعنا أبناءنا في دراستهم؟ هل زرنا مدارسهم وسألنا عن حالهم؟ إن من الآباء ، من آخر عهده بالمدرسة تسجيل أبنائه فيها! هل اخترتنا جلساء ابناءنا؟ هل عرفنا ذَهَابَهُ وإيابه؟ هل اصطحبناه للمسجد ومجامع الخير، وعلمناه مكارم الأخلاق، وصوِّبنا خطأه وشكرنا صوابه، ألا فلتعلم أيها الأب الفاضل ، أن تربيتهم جهاد، وأعظم به من جهادٍ تؤجر عليه، علَّك إذا كنت في قبرك وحيدًا فريدًا، تأتيك أنوارُ دعواتهم في ظلَم الليالي ، تسعدك وتنير لك قبرك، وترفع درجتك عند ربك .. نسأل الله تعالى أن يصلح حالنا ، وحال أبنائنا وبناتنا وزوجاتنا ، وحال جميع المسلمين ، إنه سميع قريب مجيب . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..


الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وعظيم امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه وإخوانه ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: وثمة رسالة رابعة وأخيرة: ، فهي موجهة للجميع طلابًا كانوا أم معلمين أم آباء، نقول فيها ، علينا جميعًا أن نتكاتف ، لنحقّق الهدف الأسمى والمطلَب الأعلى من التعليم، ألا وهو العمل. فما قيمة العلم بلا عمل؟! إن رسالة التعليم ، لا تعني في أهدافها أن يحمل الطلاب على عواتقهم كمًّا من المقررات، طيلة فصل أو عام ، ثم يتخففون منها بأداء الامتحان ، إن رسالة التعليم لم تبلغ غايتها إذا حفظ الطالب أو الطالبة ، نصوصًا في أهمية الصلاة، وكيفيتها وشروطها وواجباتها ، وهو لا يصلي إلا قليلاً ، أو يصليها على غير ما تعلمها، إن رسالة التعليم لن تحقق هدفها ، إذا كان الطالب يقرأ في المدرسة موضوعًا عن الصدق، وبعده بهنيهة يكذب على معلمه وزملائه، إن رسالة التعليم ، لن تحقق غايتها، إذا كان الطالب او الطالبة يحفظ من كتاب الله ، ثم هو غارق في المعاصي . وهذا والله ـ فِصام نكِد نعانيه في حياتنا، لابد من التربية الحقة، والمتابعة ثم المتابعة ثم المتابعة ، نعم إن التقصير في حياتنا واقع من الأطراف وحاصل، ولكن لا بد من تلافيه، الْمَدْرَسَةُ والمعلمون ، يسعون بالتوجيه والتربية بالأسلوب الأمثل، ويكونون قدوةً في فعالهم قبل مقالهم، والآباء والأمهات ، يسعون لأن يكون البيت ، خالٍ من وسائل الانحراف وفساد الأخلاق، ويسعى للصحبة الصالحة لهم ما استطعنا لذلك سبيلاً، وقبل هذا وبعده دعاء ربّ العالمين نعم الدعاء الدعاء ، ووالله لتجدون اثره ولو بعد حين . اللهم اهد أبناءنا وارزقهم برنا ، وارزقنا بر والدينا أحياءً كانوا أوميتين ، اللهم أرحم آباءنا وأمهاتنا، وجداتنا وأجدادنا، واهد أبناءنا وبناتنا، وأصلح أزواجنا وزوجاتنا، واعنا على البر والتقوى، وجنبنا العقوق والتضجر والشكوى ، اللهم كرِّه إلى أبنائنا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلهم من الراشدين، اللهم أصلح أحوالهم ، واشرح صدورهم للعلم النافع ، واجعلنا وإياهم من العالمين العاملين ..








ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون