محبة النبي صلى الله عليه وسلم
محبة النبي صلى الله عليه وسلم
الحمدُ لله ربِّ العالمين ، أَبَانَ لِلنَّاسِ مَعَالِمَ
الْحَقِّ الْمُبِينِ، وَجَعَلَ لَهُمْ رُسُلاً
مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ، فَأَرْسَلَ مِنْهُمْ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا
صلى الله عليه وسلَّم رحمةً للعالمين
، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له ، وأشهدُ أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا محمداً عبده ورسوله
صلَّى الله عليه وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى
يومِ الدِّين ، وسلَّم تسليمًا كثيراَ .. أمَّا
بعدُ فَأُوصِي نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بتقوى الله العليِّ العظيم القائلِ في كتابِه الكريم:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ
كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾([1]).
إخوة الإيمان : إنَّ مما يحيي الْقُلُوب ، وَيُنَشِّطُ النُّفُوس ، وَيُقَوِّي
العزائم وَيُشَنِّفُ الآذان ، وَيُسْعِدُ الْقُلُوب، وَيَشْرَحُ الصُّدور ذِكْرُ رسوله
صلى الله عليه وسلم ، والوقوف على مكانته وقدره ومحبته عليه الصلاة والسلام .
وإنَّنا نُعَظِّمُ ونُحِبُّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه
وسلمَ ، كمَا أمرَنَا اللهُ تعالى، وكمَا جاءَ في شَرْعِهِ جَلَّ وعلا ، فإنَّ محبَّةَ
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم فرضٌ على المكلفين، فقد قال الله تعالى في القرءان
الكريم: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ ﴾([2]). وقال سبحانه وتعالى في آيةٍ أخرى عن حبيبه وَصَفِيِّهِ
صلى الله عليه وسلَّم : ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ
وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا ﴾([3]). ومعنى تُعَزِّروه هنا أيْ تُعَظِّمُوهُ وَتُجِلُّوهُ ،
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ
إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ »([4]). ولمَّا قال عمرُ رضي الله عنه للنَّبي صلى الله عليه وسلم
، لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ إِلاَّ مِنْ نَفْسِى . فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « لاَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ
أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ » . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ
لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ نَفْسِى . فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « الآنَ يَا عُمَرُ »([5]). وَعَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ
صلى الله عليه وسلم عَنِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ « وَمَاذَا
أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ » . قَالَ لاَ شَىْءَ إِلاَّ أَنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
صلى الله عليه وسلم . فَقَالَ « أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ » . قَالَ
أَنَسٌ فَمَا فَرِحْنَا بِشَىْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم
« أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ » . قَالَ أَنَسٌ فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِىَّ صلى الله
عليه وسلم ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّى إِيَّاهُمْ
، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ ([6]).
إخوة الإيمان: كيف لا نُحِبُّ النَّبيَّ مُحمّدًا صلى الله عليه
وسلَّم ، وهو الذي أُرْسِلَ رحمةً للعالمين،
كيف لا نُحِبُّهُ وهو الذي أُرْسِلَ ليُخرجَ النَّاسَ من الظلمات إلى النور،
كيف لا نُحِبُّهُ وهو قُدْوَتُنا وهو الهادي إلى الصِّراطِ المستقيم، كيف لا نُحِبُّهُ
وهو صاحبُ الْخُلُقِ العظيم وهو أشرف الخلق والمرسَلِين ، كيف لا نُحِبُّ النَّبِيَّ
مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال فيه ربُّنَا: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ
أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ
اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ﴾([7]). كيفَ لا نحبُّهُ وقد قال فيه ربُّنا ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى
خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾([8]).
كيف لا نحبُّه وهو الذي قال « شَفَاعَتِى لأَهْلِ الْكَبَائِرِ
مِنْ أُمَّتِى »([9]). كيف لا نُعَزِّرُهُ وهو صاحب الشَّفاعة العظمى، عندما يقول
بعض الناس في الآخرةِ لبعض تعالوا نذهب إلى أبينا آدم ليشفع لنا إلى ربّنا ، فيأتون
إلى آدم فيقولُ لهم لستُ فلانًا - أي أنا لستُ صاحبَ هذه الشفاعة - اذهبوا إلى نوح
فيأتون نوحًا فيطلبون منه ، فيقول لهم ائتوا إبراهيم فيأتون إبراهيم ثم يقول إبراهيم
لهم لستُ فلانًا - أي أنا لستُ صاحبَ هذه الشَّفاعة - فيأتون سيّدنا موسى فيقول لهم
لستُ فلانًا فيقول لهم ائتوا عيسى فيقول لهم لستُ فلانًا ، ولكن اذهبوا إلى مُحَمَّد،
فيأتون النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فَيَسْجدُ رسول الله ، فيسجد حبيب الله لربّه
،« فَيُقَالُ لَهُ ارْفَعْ مُحَمَّدُ ، وَقُلْ يُسْمَعْ ، وَاشْفَعْ
تُشَفَّعْ ، وَسَلْ تُعْطَ »([10]).
كيف لا نحب محمّدًا صلى الله عليه وسلم أيها الأحباب : وهو حبيبُ رب العالمين
، حبيب خالقنا، حبيب رازقنا، حبيبُ حافظنا، حبيبُ كافينا.
مُحَمَّدٌ
أَشْرَفُ الأعْرَابِ والعَجَمِ
مُحَمَّدٌ خَيْرُ مَنْ يَمْشِي عَلَى
قَدَمِ
مُحَمَّدٌ
بَاسِطُ الْمَعْرُوفِ جَامِعُهُ
مُحَمَّدٌ صَاحِبُ الْإِحْسَانِ وَالْكَرَمِ
مُحَمَّدٌ
خَيْرُ خَلْقِ اللهِ مِنْ مُضَرٍ
مُحَمَّدٌ خَيْرُ رُسُلِ اللهِ كُلِّهِمِ
أيها الأحبة الكرام: لقد أكرم الله أصحابَ
رسول الله الأخيار بصحبته ، ورؤيته وسماع كلامه ورؤية أحواله، فامتلأت قلوبهم بمحبته
، حتى صار أحبَّ إليهم من آبائهم وأبنائهم ، بل ومن أنفسهم . سئل سيدنا علي رضي الله
عنه كيف كان حُبُّكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " كان والله أحبّ إلينا
منْ أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمّهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ " ([11]).
أغَرٌّ عَلَيْهِ
لِلنُّبُوَّة ِ خَــــــــــاتَمٌ
مِنَ اللَّهِ مَشْهُودٌ
يَلُوحُ ويُشْهَدُ
وَضَمَّ الإلَهُ
اسْمَ النَّبِيِّ إِلَى اسْمِهِ
إذا قَالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ
أشْهَدُ
وَشَقَّ لَهُ
مِنِ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ
فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ، وَهَذَا مُحَمَّدُ
نسأل الله تعالى أن يرزقنا وَإيَّاكُمْ حُبَّهُ وَحُبَّ نبيه
صلى الله عليه وسلم ، وَأن يعيننا على طاعته سبحانه ، وأن يصلح لنا ولكم شأننا كله
، وأن يهدينا جميعاً إليه صراطاً مستقيما. إنَّه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر
الله لي ولكم ، ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍ وخطيئة ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلامُ عَلَى
مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ ، وَعَلى آلهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَ هَدْيَهُ ، وسلّمَ
تَسليماً كثيرا . أما بعد فيا عباد الله : أوصي نفسي وإيَّاكم بتقوى الله العلي
العظيم فاتَّقوه وأحبُّوه ، واعلموا أنَّ من أحبَّ شيئًا آثرَهُ وآثر موافقته وإلاَّ لم يكن صادقًا في حُبِّه، فالصَّادِقُ
في حُبِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم ، مَنْ تظهرُ علامات ذلك عليه ومنها: الاقتداء
به والعمل بسنته وتعظيمه وتوقيره ومحبَّة من يحبُّ من أهلِ بيته وصحابته ، وكثرةِ الصلاة
عليه وكثرةِ ذكره، وكثرةِ الشَّوق إلى لقائه ، روى مسلمٌ في صحيحه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم قَالَ « مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِى لِى حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِى
يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِى بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ »([12]). نسألُ الله تعالى أن يجعلنا منهم ، وأن يوفقنا جميعا
للاقتداء والتأسِّي بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، في أقواله وأفعاله ، ويرزقنا
شفاعته ومرافقته في الجنة . هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله ، على الحبيب المصطفى والرسول
المجتبى ، صاحب الحوض المورود ، واللواء المعقود ، والمقام المحمود.
مَنْ بَلَغَ
الْعُلاَ لِجَلالِهِ سَطَعَ الدُّجَى
لِجَمَالِهِ
حَسُنَتْ جَمِيعُ خِصَالِهِ صَـلُّوا عَلَيْهِ وَآلـِهِ
صلوا عليه صلاةَ متَّبعٍ له محبٍّ له مقتفٍ آثارَه مُتَمَسِّكٍ
بسنته، كما أمرنا بذلك ربنا جل وعلا، فقال تعالى قولاً كريماً في محكم التنزيل وأصدق
القيل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾([13]). اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا ونبينا محمد ، وارض اللهم
عن آله وأصحابه أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم
بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم إنا
نسألك حبك وحب من يحبك وحبَّ كل عمل يقربنا إلى حبك يا أرحم الراحمين ، اللهم أصلح
أحوالنا ، وأحوال بلادنا ، اللَّهُمَّ احْفَظْ بلدنا ليبيا مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَأَمْنن عَلَيْهَا بالأَمْنَ وَالأَمَانَ ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ
، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ، ولمشايخنا ولمعلمينا ، ولمن أوصانا وأوصاكم بصالح الدعاء
، وللمسلمين أجمعين ، اللهم مغفرتك ورحمتك لمن بنواْ هذا المسجد ، ولمن أنفق وينفق
، ولمن يقومون على خدمته ، ولمن عمِلَ فيه صالحاً وإحساناً يا رب العالمين . عباد الله
:
ليست هناك تعليقات