نظافة الشوارع سلوك حضاري
نظافة الشوارع سلوك حضاري
الحمدُ لله القائلُ في كتابه: ﴿ لَمَسجِدٌ أُسِّسَ عَلَى
التَّقوى مِن أَوَّلِ يَومٍ أَحَقُّ أَن تَقومَ فيهِ ، فيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أَن يَتَطَهَّروا
وَاللَّـهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرينَ﴾([1]).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا مُحمداً عبده
ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه ، وسلَّم تسليما كثيرا. أما
بعد فأوصي نفسي وإيَّاكم بتقوى الله ولزوم طاعته ﴿ يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾([2]).
أيها المسلمون: اهتم الإسلام بالنظافة العامة في البيئة والمُجتمع، ومنها
نظافة الشارع والطريق، فمُنذ بداية الدعوة كان الأمر بالمُحافظة على النظافة الظاهرة
والباطنة، بل وعدّها من مبادئه، فمن مظاهر اهتمام الإسلام بنظافة الشارع ؛ أنه اهتم
بنظافة المنزل، والمسجد، والطريق، بل إنه عدَّ إماطة الأذى عن الطريق من خِصال الإيمان،
لِقول النبيّ عليه الصلاةُ والسلام: « الإِيمانُ بضْعٌ
وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ،
وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ»([3]). وفي المُقابل نهى عن وضع الأذى في طريق الناس أو في ظلهم،
وجاء في بعض الأحاديث الصحيحة أن الله تعالى غفر لرجلٍ لأنَّه أزال غُصنَ شوكٍ كان
في طريق الناس، ومن التصرُفات الخاطئة في مُجتمعاتنا اليوم ما يقوم به البعض من رمي
الأوساخ وأكياس النُفايات في الشارع العام ، وخاصة أيام العيد ، ففيها بقايا
اللحوم والجلود ومخلفات الأضاحي ، وَتَنْبَعِثُ منها روائح كريهة مؤذية للناس ، الأمر
الذي يعكس عدم التزام الناس بأخلاق الإسلام ، الدَّاعية إلى المُحافظة على نظافة الطريق
والأحياء .
إنّ النظافة جزء من ركنٍ من أركان الإسلام، ومن سُنن الفِطرة
السليمة، لذلك نجد من شُروط صحة الصلاة الوضوء؛ وفيه حثٌ على النظافة بالماء، ومما
يؤكد اهتمام الإسلام بنظافة الشارع قول النبيّ عليه الصلاةُ والسلام: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ قالوا: وَما اللَّعَّانَانِ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ:
الذي يَتَخَلَّى في طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ في ظِلِّهِمْ»([4]). يتخلَّى - أَيْ يَقْضِي حَاجَتَهُ- فَإِنَّ النَّاسَ إِذَا
رَأَوْا ذَلِكَ لَعَنُوا فَاعِلَهُ وَشَتَمُوهُ وَسَبُّوهُ .
وإنَّ من ضعف الإيمان وإذاية الإخوان رمي الأوساخ والقمامات
في غير أماكنها، كما يفعل كثير من الناس يُخرج القمامة من بيته ويرميها في الطريق
، أمام بيوتِ أناسٍ آخرين ، وهذه الأعمال فيها قِلَّةُ ذَوْقٍ، وَانْعِدَامُ أَدَبٍ
، وَلَيْسَت مِنَ الدِّينِ فِي شَيْءٍ ! فيا
من تفعل ذلك ، ما أبعد المسافة
بينك وبين الإسلام ، الذي يقول نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: « مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعَنَتُهُمْ »([5]). ونحن نرى شوارعنا دون المستوى المطلوب، فقد تساهل الكثيرون
في هذا الأمر ، فصاروا لا يبالون بأذية الناس في طرقاتهم ، وأمكنة جلوسهم ، يحفرون
الحفر في الطريق، ويلقون في الشارع الأحجار والحديد والأوساخ والقاذورات ، ويوقفون
السيارات في أماكنَ غير مناسبة، والتجار يعرضون سلعهم على الأرصفة ؛ وَلَوْ كَاَن فِي
ذَلِكَ أَذِيَّةٌ لِلنَّاسِ وَتَضْيِيقٌ للطريقِ عليهم.
عباد الله : حريٌّ أن نعلم أنّ الإسلامُ ، دعا إلى النظافة في جميع جوانب
الحياة، ومنها الشارع العام، ورتّب على إزالة الأذى عنه الأجر والثواب العظيم ، بل
وعدّه صدقة من الصدقات، وشعبة من شُعب الإيمان، فلا يُتَصَوَّرُ مِنَ المُسلمِ إلقاءُ
الأذى فيه ، كما أنَّ النظافة والمُجتمع النظيف علامةٌ على التحضر، وأولى الناسُ بذلك
هُمُ المُسلمون، حيثُ جاء في بعض الأحاديث أن الطُهور نصف الإيمان. ولنا في رسول الله
صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة، حيث ورد عن النبيّ عليه الصلاةُ والسلام اهتمامه بنظافة
بدنه، فكان يغسل يديه عند استيقاظه من النوم، كما أنَّه كان يحثُ أصحابه على الاهتمام
بنظافة ثيابهم وأماكنهم وما حولهم من مجالات البيئة المُختلفة، كالشارع العام، ومن
ذلك قوله: « عُرِضَتْ عَلَيَّ أعْمالُ أُمَّتي حَسَنُها وسَيِّئُها،
فَوَجَدْتُ في مَحاسِنِ أعْمالِها الأذَى يُماطُ عَنِ الطَّرِيقِ، ووَجَدْتُ في مَساوِي
أعْمالِها النُّخاعَةَ تَكُونُ في المَسْجِدِ، لا تُدْفَنُ »([6]). وهذا يدُلُ على حضارة الإسلام، ورُقيّ مُجتمعه ، وَعَنْ
عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى أَنْ «
لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ »([7]).
فيجب على المسلم عدم إلقاء ما يؤذي الناس في
الطُرقات ، فالأوساخ في الشارع مما يؤذي الآخرين . فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على
مظاهر الطبيعة، واسعوا في صلاح الأرض وعمارتها، ولا تكونوا من المفسدين. أقول قولي
هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه إنَّه هو الغفور
الرحيم .
الخطبة الثانية
ليست هناك تعليقات