ليلة القدر وبقية العشر
ليلة
القدر وبقية العشر
الحمد لله الذي جعل لعباده مواسم للطاعات والخيرات ، يستكثرون فيها من الأعمال الصالحة ، ويتنافسون فيها بالقربات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، أكرم عباده بليلةٍ مباركة عظيمة ، هي ليلة القدر ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبدهُ ورسوله القائل عليه الصَّلاة والسَّلام : « مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » . صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا .. أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ، فلنتق الله ولنبادر بعمل الصالحات ، فقد بدأ شهر رمضان يستعد للرحيل ، بعدما كنا في ضيافة الرحمن ، وقد أكرمنَا سبحانه أَحْسَنَ إكرام ، فالسعيد من أدركهُ فأتمَّه بما يجب أن يَعْمَلَ فيه ، والشَّقِيُّ من أدرك أيامَهُ وِلَيَالِيه ، وخرج منها صفر اليدين من كلِّ عملٍ صالح ، ولنسمع إلى قول نبينا صلى الله عليه وسلم وهو يقول« إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ ، وَلاَ يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلاَّ مَحْرُومٌ » رواه بن ماجة . نسأل الله تعالى أن لا نكون من الأشقياء والمحرومين .. لأنَّ فضلَ ليلةَ القدر عظيم ، وخيرُها عميم ، ففيها تحلُّ الرَّحمات ، وَتَنْزِلُ البركات ، ويتفضل الله بالإكرام على عباده ، ولقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلى تحرِّى ليلة القدر في هذه الليالي العشر ، ففي صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ » . ومن أفضل ما نستعد به لالتماس ليلة القدر ، تصفية القلب ، وتزكية النفس ، وتجديد التَّوبة ، والبعد عن الخصام ، والتخلي عن فضول الكلام ، في صحيح البخاري عَنْ عُبَادَة بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ : خَرَجَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ – أي تنازعا وتخاصما - فَقَالَ عليه الصلاة والسلام « خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَتَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ ، فَرُفِعَتْ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ » . وقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن نحرص على الدعاء فيها، ففي سنن الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا ، قَالَ « قُولِى اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى ». فلنكثر في هذه الليالي والأيام ، من الدعاء والصلاة والذكر وتلاوة القرآن ، وبرِّ الوالدين وصلة الأرحام ، فرحم الله عبدا أحسن اغتنامها ، وشغل نفسه بالله فيها، وكان عونا لأهله على الخير ، حتى يكونوا جميعا من المقبولين .
أيها المسلمون: نحن في الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك، فعلينا أن نكثر من فعل الخيرات وعمل الصالحات, وأن نسعى لقضاء حوائج الناس، فتزدادَ المحبةُ بيننا وبينهم ، ويعمَّ النَّفع جميعُنا ، وننالَ محبَّةَ اللهِ عزَّ وجلَّ لنا، رَوى الطبراني عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا ، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا ، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي فِي حَاجَةٍ ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ - وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ ، مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الْأَقْدَامِ ».
معاشر الصائمين : علينا دائماً أن نُحَسِّنَ خُلُقَنَا مع الناس ، ونبتعد عن أذيَّتهم ومضايقتهم وإزعاجهم ، أو الاعتداء عليهم . لأنَّه من الملاحظ أنَّ هذه الأعمال السيئة ، قد كثرت في هذه الأيام ، من بعض الشباب المتهورين ، ممن لا يملكون تربيةً صحيحة ، ولا مخزونا أخلاقيا ، ولا دينا سليما يردعهم ، يفتقدون الوعي المسلكي والحضاري ، شبابٌ يعيش على الهامش ، همُّهُ إيذاءُ النَّاس وإزعَاجِهِم ومضايَقَتِهِم بالسيارات ، والسرقة والسطو المسلح في الطرقات وعلى المحالِّ التجارية ، لا أولياء يردعونهم أو يوجهونهم ، الأبُ غافلٌ لاهٍ عنهم وعن ما يقومون به ، والابن يتجولُ بسيارته أو بسيارة أبيه في الأسواق ، يتصيد الفرائس ليتهجَّم ويعتدي عليها ، يجلب لأبيه دعوات الناس عليه ، من الذين آذاهم وضايقهم ، وظلمهم واعتدى عليهم أو سبهم ، فيجلب له ولولديه السب واللعن والمصائب ،
فيا أيها الصائمون: يامن ترجون من الله العفو والمغفرة، والقبول في هذا الشهر الكريم ، يامن تطلبون النَّجاة والستر والفوز في الدنيا والآخرة ، خاصة في هذه العشر الأخيرة المباركة ، ولعلنا لاندركها مرةً أخرى ، فلنبتعد عن أذى الناس وظلمهم ، ولننتبه لأبنائنا وبناتنا ، ونحذرهم من الاعتداء على الناس ، ولنوجههم للخير واحترام غيرهم من البشر ، ولنعلمهم حب الناس واحترامهم وتقديرهم ، ولنتق دعوة المظلوم ، فليس بينها وبين الله حجاب، فدعوة الصائم والمظلوم لا تردُّ ، ففي سنن الترمذي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم« ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ ، الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ ، وَالإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ، يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ ، وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ ، وَيَقُولُ الرَّبُّ وَعِزَّتِى لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ ». فلنحذر ياعباد الله : من مخالفة أوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، بالاعتداء على عباده الآمنين ، وسلب أرواحهم وأموالهم وممتلكاتهم ، فقد توعَّد الله المخالف بقوله سبحانه وتعالى { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ، أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ، أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }النور63 .. نسأل الله تعالى أن لايجعلنا من المخالفين لأوامره ، وأن يبعد عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، إنه سميعٌ قريب مجيب الدُّعاء ،، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ....
الخطبة الثانية
الحمد
لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا
محمدا عبده ورسوله، صلى لله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى
أصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي
بتقوى الله : {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا
، وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ ، وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ }التغابن16
.
عباد الله :
لقد فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ ، طُهْرَةً لِلصَّائِمِ
مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ ، وبين لنا مقدارها، فَعَنِ
ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما قَالَ : فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ
صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى ،
وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى
قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ .. وتخرج من غالب قوت البلد، وقد أجاز بعض
أهل العلم إخراج قيمتها نقدا، وقد قدرت هذا العام بدينارين . فعلينا أن نخرج زكاة
فطرنا ، طيبةً بها نُفُوسَنَا ، حتى نرضي ربنا ، ونطعم الفقراء والمساكين ، ونغنيهم
عن السؤال في يوم العيد . نسأل الله تعالى أن يوفقنا لكل خير وصلاح ، وأن يتقبل
منا جميعا صالح الأعمال ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء ،،،،،،،
عباد
الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } اللهم
صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد ، وارضى اللهم عن آله وصحبه أجمعين ، وعن
التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم يا أرحم الراحمين ،اللهم أعزَّ
الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداءك أعداء الدين ، اللهم اجعل
بلدنا ليبيا سخاء رخاء ، أمناً وأماناً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم لا تحرمنا خير
هذه العشر المباركة ، واجعلنا فيها من المقبولين الفائزين ، اللهم إنا نسألك
موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم
والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة والنجاة من النار، اللهم بارك لنا فيما
رزقتنا، ووفقنا لأداء الطاعات، وفعل الخيرات، والإكثار من الصدقات ، اللهم بارك في
أموال المزكين والمتصدقين يا رب العالمين . وبارك اللهم لنا فيما بقي من رمضان ،
وأعنا على الصيام والقيام، وأكرمنا فيه بقيام ليلة القدر يا منان، اللهم إنك عفو
كريم تحب العفو فاعف عنا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات،
الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ، عباد الله : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ
وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90
. اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على عموم فضله ونعمه يزدكم ولذكر الله
أكبر والله يعلم ما تصنعون ..
ليست هناك تعليقات