جديد المدونة

رمضان شهر النصر


رمضان شهر النصر
الحمد لله المتفضّل بالجود والإحسان ، المنعمِ على عباده بنعمٍ لا يحصيها العدُّ والحسبان ، أحمده سبحانه وأشكره ، نصر نبينا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ببدرٍ وسَمَّاه يوم الفرقان، وأعزَّه بفتح مكة أمِّ القرى ، وتطهيرها من الشرك والأوثان ، فيا له من عزٍّ ارتفع به صرحُ الإسلام، واندكّ به بنيان الشركِ والطغيان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الملك الرحيم الرحمن ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على جميعِ الأديان ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ، الذين نصروهُ وأَعَانُوه فلَنِعْم الأنصار والأعوان ، وعلى التابعين لهم بإحسان ما توالت الدهور والأزمان ، وسلَّم تسليمًا كثيرا .. أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وطاعته ، ولزومِ ذكره وحسن عبادته ، واغتنموا شهر الصيام والنصر والقرآن ، بالتقوى وطاعة الرحيم الرحمن .
جاء الصيامُ فجاءَ الخيرُ أجمعُـهُ
                      ترتيلُ ذكرٍ وتحميدٍ وتسبيـحِ
فالنفسُ تدأبُ في قولٍ وفي عملٍ
                   صومُ النَّهارِ وفي الليل التراويحِ
 معاشر الصائمين : كلما أقبلَ رمضانَ كُلَّ عام ، أقبل معه الأمل وجاء السعد ، وتجددت الفرحة ، أملُ الذكريات وفرحةُ الانتصارات ، أيامٌ خالدةٌ في تاريخ الإسلامِ حافلةٌ بالخيرات ، اعتزَّ الإسلام فيها، وارتفعت ألويتُه خفاقةً في كلِّ مكان .  فشهر رمضان لم يكن عند سلفنا ، شهر صيام وقيام ، ودعاءٍ واعتكافٍ وعمرة ، وإكثارٍ من العبادة فحسب، بل كان شهرُ جهادٍ ومجاهدة ، ودعوةٍ وعمل ، فقد سطروا فيه أعظم الانتصارات ، وأكبرِ الفتوحات ، وإن ليالي هذا الشهر وأيامِه ، تحكي ما حققته الأمَّة من انتصارات وأمجاد ، فقد كان في هذا الشهر، يوم الفرقان ، يوم التقى الجمعان في غزوة بدر الكبرى، التي هي شامةٌ في جبين التاريخ .
إذَا قامتِ الدُّنيا تَعُدُّ مَفَاخِرًا
                  فَتَاريخُنا الْوَضَّاحُ مِنْ بَدْرٍ ابْتدأ
فقد فرق الله في هذه الغزوة ، بين الحق والباطل، فنصر الله دينه ، وأظهر نبيه ، وأطاح رؤوس الكفر والشر والظلم والطغيان ، قال الله تعالى: { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ، فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} آل عمران: 123 فكانت هذه الغزوة ، صفحةٌ من صفحات المجد المشرق ، في تاريخ هذه الأُمَّة . فما أحوجنا ونحن نستذكر هذه الأمجاد ، أن نتعلم منها  قوة الإيمان ، وإذا كان الله قد أمر بإعداد ما نستطيع من قوة ، لمواجهة الأعداء ، فإن أعظم القوة ، هي قوة الإيمان الصادق بالله ، فهي السلاح الذي لا يقهر ، واليقين الذي لا يُغْلَب ، يقول سبحانه وتعالى  {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ ، وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ، وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ }آل عمران160.
وبعد قوة الإيمان ، تأتي قوة الترابطِ بين المؤمنين ، والمحبةِ فيما بينهم ، والتآلفَ بين قلوبهم ، وهذه مِنَّةٌ من الله ، ومن أعظم أسرار النصر: يقول الله تعالى: { هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ  ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ، إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }الأنفال 62-63. فالمسلم الحق ، الصادق المخلص في إيمانه ، المحب لإخوانه ، متعلقٌ بربه ، متيقنٌ  بوعوده ، متوكلٌ على قوته سبحانه تعالى ، يحشد ما ستطاع من قوة في مواجهته للباطل ، ولا يدَّخر في ذلك وُسعًا، ثم هو بعد ذلك ، لا يرهب قوة الأعداء، وإن كانت تفوقه عددًا وعتادًا ، لأنه على يقين من أن الله سبحانه وتعالى معه ،  وليس في الميدان وحده ، وإنما معه جند الله الذين لا يعلمهم إلا هو ، وفي بدر يتجلى ذلك في مواقف عدة ، حيث تنتصر القلة المؤمنة ، على الكثرة المشركة، وذلك بفضل ما سخر الله للمسلمين من جند السماء والأرض ، ولن يجعل الله للكافرين طريقًا للغلبة على عباده الصالحين, فالعاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة يقول سبحانه وتعالى { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }النساء141.
إخوة الإيمان : وقد منّ الله تعالى على هذه الأمة في هذا الشهر أيضًا ، بفتح مكة ، وتطهيرها من أوضار الشرك ، ولوثات الكفر ، ومظاهر الظلم والاستكبار، فكان حدثًا عظيمًا كبيرًا ، ليس في تاريخ الأمة فحسب ، بل وفي تاريخ البشرية كلها، كيف لا ؟ وقد أعزّ الله بهذا الفتح دينه ورسوله وحزبه ، واستنقذ به بلدَه وبيته ، من أيدي الكفار والمشركين ، وقد استبشر بهذا الفتح أهل السماء ، ودخل الناس به في دين الله أفواجًا، وأشرق به وجه الأرض ضياءً وابتهاجًا ، وأصدر فيه النبي صلى الله عليه وسلم عفوً عاما على قريش ، قال لهم فيه ، كما قال يوسف لأخوته { لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } يوسف:92 .اذهبوا فأنتم الطلقاء، فعفى عنهم عليه الصلاة والسلام ، وهذا الفتح سماه الله فتحاً مبيناً، فقال تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } الفتح:1- أي بيناً عظيماً واضحاً - فما أحوجنا أيها الصائمون : إلى نشر ثقافة العفو والتسامح والصفح ، خاصة في هذا الشهر المبارك ، حتى يكون صيامنا وصلاتنا طاهرة مطهّرة من أمراض القلوب ، صلاة وصياما يسودهما التراحم والتسامح ، والتآزر والتعاضد ، كفانا هجراً وتقاطعًا لبعضنا البعض ، كفانا هدما لأواصر وروابط الأخوة فيما بيننا ، فلنرجع ولنتب إلى الله من هذه الأعمال ، ولنتخذ من نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، قدوة في العفو التسامح والصفح ، لتكون أعمالنا زاكية مقبولة عند ربنا جل وعلا ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم  { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً }النساء124 بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة ،، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله ، وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . وسلم تسليما كثيرا ،، أما بعد: فيا معاشر الصائمين : علينا جميعاً أن نقطف ثمرة بركة صيامنا وصلاتنا ، في مدّ يد التراحم والتسامح في مجتمعنا ، وتكريس روح المحبة والتآخي والتكاتف ، وإنه لجدير بنا أن نستحضر هذه المعاني ، ليكون لنا من صيامنا أوفر الحظ والنصيب ، وألا نفعل بعد إفطارنا ، أو نهاية شهرنا ما يُخِلُّ بهذه الأخلاق والآداب ، فَنهدِم في ليلنا ما بنيناه في نهارنا، وفي نهاية شهرنا ما بنيناه في شهرنا ؛ فما أسعدنا لو اغتنمنا شهر الصيام ، خاصة ونحن على أبواب العشر ، التي كان نبينا عليه الصلاة والسلام ، يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها ،ف في صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ. فلنجتهد ولنكثر من العبادة في هذه العشر ، علنا ننال فيها أوفر الحظ والنصيب ، وتُعْتَقَ فيها رقابنا من النيران ، ونفوز فيها بليلة القدر ، التي هي خيرٌ من ألف شهر . اللهم أفِضْ علينا من جودك وكرمك ، ولا تحرمنا بركاتِ هذا الشهرِ الكريم ، واجعل لنا منه أوفر الحظ والنصيب ، واجعلنا ممن صامه وقامه إيماناً واحتساباً . وممن وفق لقيام ليلة القدر ، يا أرحم الراحمين ، هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله ، على خير خلق الله ، محمد بن عبد الله ، فقد أمرنا الله بذلك بقوله سبحانه  {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56 . اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد ، وارض اللهم عن آله وأصحابه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداءك أعداء الدين ، واجعل بلدنا ليبيا سخاءً رخاءً أمنا وأمانا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم وفق وأعن من أوليتهم أمور البلاد والعباد ، إلى كل خير يرضيك ، واجعل لهم بطانة صالحة ، تعينهم على كل خير وصلاح ، يارب العالمين ، اللهم تقبل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا ، اللهم أصلح شبابنا وبناتنا ونساءنا وفقهم لطاعتك ، واجعل عملهم في رضاك  يارب العالمين ، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات ، عباد الله :  {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90
   

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون