جديد المدونة

غزوة بدر الكبرى


غزوة بدر الكبرى

الحمد لله القوي القادر ، العزيز الحكيم ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأتوب إليه وأستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ،القائل في محكم كتابه { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } الحج 39 ينصر المؤمنين بفضله ، ويؤيدهم بقوته ، ويمدهم بملائكته ، ما أخلصوا له النية ، وأقاموا له الدين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله ، سيد المجاهدين ، وإمام الشجعان المقاتلين ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه ، الذين باعوا أنفسهم لله ، وقدموا أموالهم فداءً لدينه ونصرةً لدعوته ، ودفاعًا عن الحق  فكانوا من المهتدين . أما بعد ، فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله القائل سبحانه :{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }آل عمران 123

عباد الله: هذه أيام شهر رمضان المبارك ، تطوف علينا وتحمل في  طياتها ذكرياتٌ وعبر، تزيد العزم في الإيمان ، وتبعث في النفوس يقظة وتمسكا بالإسلام ، فمن هذه الذكريات التي ستمر علينا في الأيام القليلة القادمة ، ذكرى غزوة بدر الكبرى . هذه الغزوة هي أول معركة حربية كبيرة ، خاض غمارها المسلمون ، بقيادة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فكانت البداية الحقيقية للجهاد بالسلاح ، الذي خاضه المسلمون ، ضد أعداء الدعوة الإسلامية ، هذه الغزوة التي فرق الله فيها بين الحق والباطل ، وأعزَّ الإسلام وجنده ، ودمغ الكفر وأهله ، وامتن الله عليهم بالنصر، رغم قلة الرجال والعتاد ، ولكن بقوة إيمانهم وصدقهم مع الله ، وتأييده لهم سبحانه وتعالى أتاهم النصر المؤزر ، {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}آل عمران123

إخوة الإيمان : نقف أمام هذه الغزوة ، لكي نستلهم الدروس والعظات والعبر، لنستفيد منها في حياتنا ومجتمعاتنا: نقف أمام يوم بدر، أمام ملحمة الإسلام، واليوم الأول من أيامه العظام، رأينا العبر، رأينا العظات، أعظمها وأجلها أن الإسلامَ كَلِمَةُ الله الباقية، ورسالته الخالدة، باقية ما بقي الزمان وتعاقب المكان، يُرْفَعُ شِعَارُها وَيُقَدَّسُ منارها ، بعزّ عزيز أو بذل ذليل، هذا الإسلام الذي كتب الله العزة لمن والاه، وكتب الذلة والصغار على من عاداه، كلمةٌ باقيةٌ ورسالةٌ خالدةٌ زاكيةٌ . في مسند الإمام أحمد ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ، إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَ وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ ». وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِىُّ يَقُولُ ، قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِى أَهْلِ بَيْتِى ، لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِراً ، الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ.

مِنْ عِبَر يوم بدر، نأخذ أن الصبر مفتاح الفرج ، فما ضاقت الأمور على من صبر، إلا وأتاه من الله الفرج ، فالصبر مفتاح الخير. نأخذ من غزوة بدر أن مع العسر يسرًا، وأن عاقبة الصبر خير: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ} النحل: 127، صَبَرَ حَبِيبُ اللهِ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، فأقر الله عينه، ونصر الله حزبه، {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } آل عمران: 125، فإنْ وجدتَّ عبدًا من عباد الله ، قد صُبَّت عليه المحن والبلايا من الله ، وَنَصَبَ وجهه صابرًا لله ، فبشره بحسنِ العاقبةِ والمآل من الله . علمنا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ، أن الصبر عواقبه الخير، فيقول عليه الصلاة والسلام « . وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ » رواه البخاري . بالصبر يتوسع ضيق الدنيا، وبالصبر تتبدد همومها وغمومها وأحزانها، بالصبر يطيب العيش وترتاح النفوس وتطمئن القلوب، وصدق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه- إذ قال: « وجدنا ألذ عيشنا بالصبر» .

نقف أمام غزوة بدر فنجد أن التقوى سبيل النصر للمؤمنين، وطريق الفلاح للمفلحين: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا} آل عمران: 125، بالصبر والتقوى تنزلت ملائكة الرحمن ، نصرةً لجند الإيمان، فمن صبر واتقى جعل له ربه من كل همّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا.

نقف أمام غزوة بدر، فنجد أن من أسباب النصر العظيمة ، تآلف القلوب وتراحمها، كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، في قلةٍ من العدد والعدة، ولكن كانت بينهم المحبة والصفاء والمودة، كانوا متراحمين متعاطفين ، متآلفين متكاتفين ، متناصرين متآزرين ، شعارهم: لا إله إلا الله ، فسبحان من أعزهم وهم أذلاء، سبحان من أغناهم وهم فقراء، سبحان من رفعهم وهم وضعاء.

التآلف والتعاطف ، والتكاتف والتناصر والتآزر، سبيلٌ إلى نصر المؤمنين، طريقٌ لعزة الأخيار والصالحين، فإن وجدت أهل الإسلام متعاطفين متراحمين ، فاعلم أن النصر حليفهم، وإن وجدتهم متقاطعين متباعدين متناحرين ، قد فسدت قلوبهم ومزقتهم الفرقة والمنازعات والخصومات ، فاعلم أن النصر لن يكون حليفهم ، فبعد قوة الإيمان ، تأتي قوة الترابط بين المؤمنين ، والمحبة فيما بينهم ، والتآلف بين قلوبهم ، وهذه منَّةٌ من الله ، ومن أعظم أسرار النصر ، يقول سبحانه وتعالى { هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ، إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }الأنفال 62 . 63 . ما أحوجنا اليوم ونحن نقف مع هذه الدروس والعبر ، إلى هذا التآلف والتراحم فيما بيننا ، نسأل الله تعالى أن يؤلف بين قلوبنا ، وأن يصلح ذات بيننا ، وأن يوحد كلمتنا ، وأن يعصم دماءنا ، وأن يجمعنا على الحق والهدى والإيمان ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، ولسائر المسلمين من كل ذنب،  فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد القهار، أحمده سبحانه وأشكره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مقلب القلوب والأبصار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله الطيبين الأطهار وعلى جميع أصحابه الأخيار، ومن سار على نهجهم واهتدى بهديهم ما أظلهم الليل وأضاء النهار. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ، ثم اعلموا أن أيام الشهر قد تتابعت، ولياليه الغر قد تلاحقت، وقد أوشكت على الرحيل، فبعد أيام قليلة سنستقبل العشر الأواخر، ختام شهر رمضان ووداعه، نقف على الليالي العشر، ونحن فقراء إلى رحمة الله، نقف على أبواب العشر الأواخر، نشكو تقصيرنا إلى الله، نقف على أبواب العشر الأواخر ، وكلنا أمل وطمع في رحمة الله أن لا يخيب رجاءنا، وأن يستجيب دعاءنا، نقف على أبواب العشر، التي ما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا شد مئزره وأيقظ أهله وأحيا ليله، صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين . فاتقوا الله عباد الله واغتنموا هذه العشر وشمروا عن ساعد الجد ، ولا تضيعوها في اللهو واللعب ، عظموها بالقرآن ، وبذكر الرحيم الرحمن . سائلين المولى جل وعلا أن يتقبل منا الصلاة والصيام والقيام ، وأن يجعلنا ممن كتب لهم المغفرة والرضوان في هذا الشهر المبارك

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون