جديد المدونة

حرمة الدماء والأعراض والممتلكات


حرمة الدماء والأعراض والممتلكات

الحمد لله الذي رفع السماء بقدرته ، وبسط الأرض لعباده برحمته ، وجعل لمن قتل عبدا من عباده عمدا ، يوما يشيبُ فيه الولدان من شدَّته ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يقول جلَّ وعلا وهو أصدق القائلين { وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ }الإسراء33 وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، يقول عليه الصَّلاة والسَّلام « لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِى دَمِ مُؤْمِنٍ ،لأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِى النَّارِ ». صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وطاعته ، واعلموا أن الإسلام بمنهجه العظيم ، يحافظ على الأرواح ويصونها ، ويحفظ لها فضلها وحرمتها وكرامتها ، يقول الله تبارك وتعالى { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ، وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }الإسراء70 والمسلم يجب أن يكون حريصا ، على ألا يقع في مهلكة من هذه المهلكات ، فالله سبحانه وتعالى عظَّم حقوق العباد ، وشدَّد في النهي والتعدي على دمائهم وأعرضهم وأموالهم ، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع محذرا من ذلك « إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ » فإن من أعظم الأمور ياعباد الله : التي نهى الإسلام عنها ، وشدد في قبحها على فاعلها، بعد الشرك بالله جل وعلا ، هو قتل النفس المعصومة ، فهذا يعد فساداً في الأرض كبير ، وهو أمرٌ جلل وجريمة منكرة شنيعة ، يقول الله جل وعلا محذرا لعباده من هذه الفعلة المنكرة { أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ ، فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً }المائدة32 . فالتعدي على دم المسلم بغير وجه حق ، ليس من الإسلام في شيء ، لأن الإسلام حَفِظَ للمسلم ماله وعرضه ودمه ، يقول عليه الصلاة والسلام « كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ » رواه مسلم.

معاشر المسلمين : إن الله سبحانه وتعالى أعدَّ العذاب العظيم ، والعقاب الأليم ، وعقوبات غليظة ، لمن أراق دم مسلم عامدا متعمِّدا ، وأزهق روحه بغير سبب ، ودونَ وجهِ حقٍ ، يقول عزَّ سلطانه { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا ، وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }النساء93 جزاء مروع ، نار وغضب ولعنة، وعذاب عظيم ، لمن يقتل الناس متعمدا ويظلمهم ، ويروعهم ويعتدي على ممتلكاتهم ، ويغتصبها منهم بقوة السلاح ، ظلما وعدوانا ، ورحم الله هذا الناصح القائل :

يَاظَالِمًا لِلنَّاسِ عَمْدًا فَارْتَقِبْ

                   نِقَمَ الإِلَهِ لِظَالِمٍ فِي أُمَّتِهِ

لاَ تَحْسِبَنَ اللهَ عَنْكَ بِغَافِلٍ

                  مَهْلاً سَيَأْتِيكَ الْحِسَابُ بِدِقَّتِهِ

هُوَ عَالِمٌ بِالْمُعْتَدِينَ وَإِنَّمَا

                    أَجُلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ لِعُقُوبَتِه

يُمْلِى لَكَ الْمَوْلَى إِلَى يَوْمِ الْجَزَا

                    يَوْمٌ عَبُوسٌ لِلْعُصَاةِ بِظُلْمَتِه

فَاْرْجِعْ لِرَبِكَ نَادِماً وَمُؤَدِّيًا

                حَقَّ الْعِبَادِ كَمَا أُمِرْتَ بِشِرْعَتِه

فأين عقول هؤلاء الذين يدَّعُون الإسلام ، وأين دينهم وخوفهم من الله جل وعلا ، من يومٍ يقول فيه سبحانه وتعالى { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ، فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ }هود105. فماذا يقول للجبار، من طمع في الدنيا بسرقة أموال الناس ، واعتدى عليهم وَقَتَلَهُمْ عليها، يوم تشهد عليهم أيديهم وأرجلهم بقبح أفعالهم ، يقول الله سبحانه وتعالى {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ ، وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ ، وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }يس65 ويقول جل وعلا {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }النور24 .

إخوة الإيمان : إن الأخوة الإسلامية تقتضي منا في هذه الظروف الراهنة ، أن نتناصح فيما بيننا لوقف هذه الدماء التي تسيل بسبب هذه الفتنة ، ولنقف جميعا صفا واحدا ، ويدا واحدة ، في وجه كل من يسعى إلى إذكائها ، وكل من تسول له نفسه المساس بأمننا وأمن بلادنا ، وتقسيمها وتجزئتها ، فالموقف يحتاج منا إلى تنسيق الجهود وتوحيدها ، وَلَمِّ الشمل ، ووحدة القلوب والصفوف ، لإزالة هذا البلاء العظيم وهذه الفتنة ، عن شعبنا وعن بلادنا ، وردع المخالفين والمعتدين والظالمين ومحاسبتهم ، وإعادة الحقوق إلى أهلها ،، فاحرصوا أيها المسلمون على الوحدة والتآلف ، والقضاء على هذه الفتن ، وارتقوا بمجتمعكم إلى الأفضل والأحسن ، بتعاونكم وتماسككم ووحدتكم ، ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِى مُوسَى - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا » . وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ عليهِ الصَّلاة والسلام . نسأل الله تعالى أن يؤلف بين قلوبنا وأن يجمع شملنا ، وأن يوحد صفوفنا ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين إنه هو الغفور الرحيم . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة .

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي جعل الإحسان أكبر الأسباب لنيل الكرامات ، وأذية الخلق والإضرار بهم موجب للعقوبات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كامل الأسماء والصفات ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أشرف المخلوقات ، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والكرامات ، أما بعد : فأوصيكم عباد الله  ونفسي بتقوى الله ، والتَّواصي بالحق والتَّواصي بالصبر ، والتعاون على البر وفعل الخيرات ، يقول الله تبارك وتعالى  { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } المائدة2 .. فهذه عباد الله : وصية لنا من ربنا جل وعلا ، بالتعاون على البر والتقوى ، وكل مايصلح مجتمعنا وبلادنا ، وأن نكون يدا واحدة ، وصفا واحدا متماسكين مترابطين ، لا للقبلية ولا للجهوية ، هدفنا ليبيا وبنائها وعمارتها ووحدتها ، وأن نقدم مصلحة بلادنا على مصالحنا الشخصية ، وأن لا نرضى لها الخراب ولا الدمار ولا الفساد ، نسأل الله تعالى أن يعيننا على ذلك ، وأن يوفقنا لكل عمل صالح ، وأن يحفظنا ويحفظ بلادنا ، فيا غياث المستغيثين أغثنا ، وياعون المؤمنين أعنا ووفقنا لرفعة بلادنا ورقيها ، وأمنها وأمانها ،  هذا وصلوا وسلموا على من أُمِرنا بالصلاة والسلام عليه في قوله جل وعلا  {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56 صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعنا على كل عمل صالح ، تنحل به عقدنا ، وتنفرج به كُرَبَنَا ، اللهم قوِّ إيماننا وأضعف شيطاننا ، وآمنا في أوطاننا ، وأصلح شؤننا ، وبلغنا مما يرضيك آمالنا ، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا ، اللهم أزل عنا هذه الفتنة واحفظنا من شرها وظلماتها ، واحفظنا يا مولانا من موقذيها ، الله من أراد لنا ولبلادنا فتنة ، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك ، وقوة حكمتك ، وعظيم غضبك وأليم عذابك ، واجعله بيننا ذليلا يارب العالمين ، اللهم آت نفوسنا تقوها ، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم  . عباد الله {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون