جديد المدونة

كيف نستقبل العام الهجري الجديد

كيف نستقبل العام الهجري الجديد

الحمد لله مكور الليل على النهار, ومكور النهار على الليل, مقدر الأقدار, ومصرف الشهور والأعوام ، نحمده سبحانه ونشكره ، جعل في تجدد الأعوام عبرا لمن يتدبرها من الأنام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم العرض والقيام ، وسلم تسليما كثيرا .. أما بعد فأوصيكم عبد الله ونفسي معكم بتقوى الله ، فاتقوا الله وبادروا بالأعمال الصالحة فالأعمار سريعة الذهاب أيام وشهور وأعوام سريعة المرور{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }الحج77 .

عباد الله : ها نحن في مقتبل عام هجري جديد نسأل الله تعالى أن يجعل هذا العام فاتحة خير علينا وعلى بلادنا ، وعام بركة وأمن وأمان ، وأن يجعلها سنةً مليئة بالأفراح والمسرات ، وبالنعم الوافرة والخيرات ، وأن يكون فيها فرجا لكل مكروب ومهموم ، وأن ينعم على من فقدناه فيها بالرحمة والمغفرة والرضوان ، وأن يجمع فيه كلمة المسلمين على الحق ، وأن يعز الإسلام وأهله ، إنه على كل شيء قدير ، وبالإجابة جدير .

إخوة الإيمان : يستعذب الحديث عن السيرة النبوية، والهجرة المحمدية ، فسيرة محمد صلى الله عليه وسلم ، فيها من المواقف والدروس والعبر، التي يحتاج إليها كل مسلم ، كيف لا وقد قال سبحانه وتعالى { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }الأحزاب21 . ومن هذه الدروس التي نستذكرها في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ، أن نتعلم منه التحمل والصبر على الأذى ، حيث بقيَّ عشر سنين يدعو ويكافح ، ولم يجد من قومه إلا صدا وصدودا ، ونفورا وتنفيرا ، ينأون عنه بأنفسهم ، وينهون عنه غيرهم ، ويقفون بالمرصاد لمن آمن منهم ، فكلما نبتت نابتةٌ مؤمنة ، تلقوها بالتعذيب طورا ، وبالتشريد طورا ، بل تعدى أذاهم إلى عشيرته الأقربين ، وإلى شخصه الكريم ، وقد جلَّت حكمته سبحانه وتعالى ، أن لا يجعل مُقَامَ نبيه صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة عبثا ، ولا سعيه فيها هباء ، فلقد كان يصنع القلوب فيها بقوله وفعله ، وكان للإسلام فيها كل يوم كسبٌ جديد ، على الرغم من رعونة خصمه العنيد ، ذلك بأن الله جلَّت حكمته ، أراد أن يجعل منه ومن أصحابه السابقين الأولين ، مثلا في التضحية والصبر ، لِيُعَلِّمَ الناس ، أن طريق المجد ليس مفروشا بالحرير ، ولا مغروسا بالأزهار والرياحين {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم ، مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ ، حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ ، أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ }البقرة214. من أجل ذلك كله ، لم يأذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يغادر مقرَّ إقامته ، أو يفارق مهد دعوته ، إلا في الساعة الفاصلة ، حين بلغت حميَّة الجاهلية قمتها ، وحين أرادت قمة الكفر أن تَجْتَثَّ هذه الرسالة من منبتها ، وحين قررت أن تقتل هذه الدعوة بداعيها ، تلك هي المؤامرة الغادرة التي سجلَّها القرآن مفصلة ، كما سجل فشلها وحبوطها ، كل ذلك في ألطف إشارة وأوجز عبارة {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ ، وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }الأنفال30 فما أحوجنا اليوم أيها الإخوة ، أن نتعلم هذه الأخلاق ، من صاحب السيرة العظيمة عليه أفضل الصلاة والسلام ، من تحمل وصبر عند الأزمات ، حتى نبني بلادنا من جديد ، خاصة وقد بدأت تتحول إلى مرحلة البناء ، وتتطلب منا العمل وبذل الجهد ، وهذا لا يكون إلا بالتحمل والصبر ، الذي نتعلمه من نبينا عليه الصلاة والسلام ، فقد اشتكى إليه بعض أصحابه ما يجدوه من الأذى من كفار قريش ، فَعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، قُلْنَا لَهُ أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ « كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ ، يُحْفَرُ لَهُ فِى الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ » .

إخوة الإيمان : ومن دروس الهجرة النبوية ، المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، وحسبنا دليلا على ذلك، ماقام به سعد بن الربيع ، الذي كان قد آخى الرسول صلى الله عليه وسلم ، بينه وبين عبد الرحمن بن عوف ، إذ عرض على عبد الرحمن بن عوف ، أن يشركه في بيته وأهله وماله ، في قسمةٍ متساوية ، ولكن عبد الرحمن بن عوف ، شكره وطلب منه أن يرشده إلى سوق المدينة ليشتغل فيها ، فما أحوجنا اليوم إلى أخوةٍ كهذه الأخوة ، أخوةٍ صادقة صافية ، نبني بها بلادنا كل حسب موقعه ومربعه الذي يعيش فيه ، لا أَنْ نقف متفرجين بل نشتغل ونعمل ونكافح ، ونباشر بطي صفحة الماضي بكل مآسيها وأحزانها ، ونفتح صفحة جديدة ملؤها التسامح والمحبة والأخوة الصادقة ، والنظر إلى المستقبل من خلال أعين أبنائنا وبناتنا ، فهم عماد المستقبل ، وهم الثروة التي نراهن عليها ، لبناء ليبيا بالأخلاق وبالعلم وبالتعاون وبالمحبة ، وبحب الليبيين بعضهم لبعض ، وغرس هذه القيم في نفوسهم ، فتلك هي تعاليم ديننا الإسلامي ، وتلك هي سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي ينصحنا فيقول « الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَبْدٌ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ». نسأل الله تعالى أن يجعلنا إخوانا متحابين ، متعاونين متآلفين ، متماسكين متحدين ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ...

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله ، الرحمة المهداة والنعمة المسداة، والسراج المنير، صل الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد فاتقوا الله عباد الله رحمكم الله ، ثم اعلموا أنكم في شهر عظيم ،اغتنموه بالطاعة والعبادة والأعمال الصالحة ، واستفتحوا هذا العام الجديد ، بصيام يوم عاشوراء ، فقد عزم نبينا صلى الله عليه وسلم على صومه وقال لئن بقيت إلى عام قابل لأصومن التاسع والعاشر ، فقبض من عامه ، فصيامه يكفر ذنوب سنة ماضية ، كما قال عليه الصلاة والسلام ، فاجتهدوا وسارعوا إلى مغفرة ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ، واعلموا يرحمكم الله أنه لن يكمل لنا اغتباطنا ، ولن تتم قرة أعيننا حتى نتابع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سائر خطواته ، فنعود إلى الاغتراف من ينبوع كتابنا الخالد في كل شؤوننا وتصرفاتنا ،، ألا وصلُّوا على الحبيب المصطفى النبيُّ المجتبى ، كما أمركم ربكم عز وجل إذ يقول {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56. للهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء ، والأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة ، والتابعين لهم بإحسان وإخلاص ، وعنا معهم بمنّك وكرمك ، ورحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم اجعل اشراقة هذا العام الهجري الجديد ، اشراقة خير وهناء ، وتقدمٍ ورخاء لبلادنا ولبلاد المسلمين ، اللهم وفق جهود المصلحين في بلادنا من أجل المصالحة الوطنية ، وألن القلوب ، ووسع الصدور وأزل الأحقاد ، ياخير من سئل ، وأكرم من أعطى ، اللهم وفق في جهود من حمَّلتهم أمانة البلاد ، وقرب إليهم البطانة الصالحة الصادقة ، وأبعد عنهم بطانة الشر والفساد ، يارب العالمين ،، اللهم وفقنا للتوبة والإنابة ، وافتح لأدعيتنا أبواب الإجابة ، يامن إذا سأله المضطر أجابه ، اللهم أنت المدعوُّ بكل لسان ، والمقصود في كل آن ، أنت القائل ادعوني أستجب لكم ، فهانحن متوجهون إليك فلا تردنا ، واستجب لنا كما وعدتنا ، اللهم أذقنا برد عفوك ، وحلاوة مغفرتك ، ونزِّه قلوبنا عن التعلُّق بمن دونك ، واجعلنا من قوم تحبُّهم ويحبُّونك ، وأعطنا مالا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، اللهمَّ اعصمنا من شر الفتن ، وعافنا في الدارين من جميع المحن ، وأصلح أعمالنا ، ماظهر منها وما بطن ، وألحقنا بالصالحين ، وارحم كافة المسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، برحمتك يا أرحم الراحمين ...

















ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون