حق المسلم
الْحَمْدُ لله الذي أمرنا بالبر والصلة ، ونهانا عن العقوق ، وجعل حقَّ المسلم على المسلم من آكد الحقوق ، أحمده سبحانه ونشكره ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، هو الخالق وكلُّ شيءٍ سِوَاهُ مخلوق ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونبينا وحبيبنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الصَّادِقُ الْمَصْدُوق ، صَلَّى الله وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ المؤدين للحقوق ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان من سابق ومسبوق .
أَمَّا بَعْدُ.. فأُوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته، والخوف منه وخشيته ، {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ }
أيها المسلمون : إن الإسلام أوجب بين الناس التعاون والإحسان ، ودعاهم إِلَى الْآدَابِ السَّامِيَةِ وَالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ آدَابُ الْـمُسْلِمِ وَحُقُوقُهُ، آدَابٌ يَجِبُ عَلَى الْـمُسْلِمِ أَنْ يَتَأَدَّبَ بِهَا، وَحُقُوقٌ يَجِبُ عَلَى الْـمُسْلِمِ أَنْ يَؤُدِّيَهَا لِأَخِيهِ الْـمُسْلِمِ، وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا عِبَادَةٌ لله تَعَالَى، وَقُرْبَةٌ يَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى ربه جلَّ وعلا، لِأَنَّهُ فَعَلَهَا طَاعَةً لله تَعَالَى ، وَطَاعَةً لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ...
فَالْأَوَّلُ مِنْ هَذِهِ الْآدَابِ وَالْحُقُوقِ: أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُ فَيَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله، وَيُصَافِحُهُ وَيَرَدُّ الْـمُسْلِمُ عَلَيْهِ قَائِلًا: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النِّسَاءُ: 86]. وَقَوْلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْـمَلَائِكَةَ تَعْجَبُ مِنَ الْـمُسْلِمِ يَمُرُّ عَلَى الْـمُسْلِمِ وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ» بل ويسلم عليه حتى ولو لم يعرفه ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: « وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ»، والسلام والمصافحة يوجبان غفران الذنوب ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام : «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ، إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا» وعلى المسلم كذلك أن يبدأ بالسلام على أخيه المسلم قبل الكلام ، لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَدَأَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ حَتَّى يَبْدَأَ بِالسَّلَامِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا].
والحق الثَّانِي من هذه الآداب والحقوق : أَنْ يُشَمِّتَهُ إِذَا عَطَسَ، بِأَنْ يَقُولَ لَهُ إِذَا حَمَدَ اللَّهَ تَعَالَى: (يَرْحَمُكَ اللَّهُ) وَيَرَدُّ الْعَاطِسُ عَلَيْهِ قَائِلًا: (يَهْدِيكُمُ الله وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ). وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه قَالَ ،عَطَسَ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم - فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ ، فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ « هَذَا حَمِدَ اللَّهَ ، وَهَذَا لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ » . وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم – قال « إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ ، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ ، وَأَمَّا التَّثَاوُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ ، فَإِذَا قَالَ هَا . ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ » . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضى الله عنه: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ .
والحق الثَّالِثُ: أَنْ يَعُودَهُ إِذَا مَرِضَ وَيَدْعُوَ لَهُ بِالشِّفَاءِ. لقوله صلى الله عليه وسلم « مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ إِلاَّ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ ».
والحق الرَّابِعُ: أَنْ يَشَهْدَ جِنَازَتَهُ إِذَا مَاتَ. لقوله صلى الله عليه وسلم « مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا فَصَلَّى عَلَيْهِ ، ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى يُوضَعَ فِى قَبْرِهِ ، كَانَ لَهُ قِيَرَاطَانِ ، أَحَدُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ ، كَانَ لَهُ قِيرَاطٌ ».
والحق الْخَامِسُ: أَنْ يَبَرَّ قَسَمَهُ إِذَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ وَكَانَ لَا مَحْذُورَ فِيهِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «حَقُّ الْـمُسْلِمِ عَلَى الْـمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْـمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ» وَلِقَوْلِ الْبَرَاءِ: أَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «بِعِيَادَةِ الْـمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، وَنَصْرِ الْـمَظْلُومِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ».
والحق السَّادِسُ: أَنْ يَنْصَحَهُ إِذَا اسْتَنْصَحَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَوْ أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُبَيِّنُ لَهُ مَا يَرَاهُ مِنَ الْخَيْرِ فِي الشَّيْءِ ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: « إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَنْصَحْ لَهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
والحق السَّابِعُ: أَنْ يُحِبَّ لَهُ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَيَكْرَهَ لَهُ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهَ لَهُ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ».
والحق الثَّامِنُ: أَنْ يَنْصُرَهُ وَلَا يَخْذُلَهُ فِي أَيِّ مَوْطِنٍ احْتَاجَ فِيهِ إِلَى نَصْرِهِ وَتَأْيِيدِهِ ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: « انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا » . فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا ، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ ، قَالَ « تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ » .
الحق التَّاسِعُ: أَنْ لَا يَمَسَّهُ بِسُوءٍ أَوْ يَنَالَهُ بِمَكْرُوهٍ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ الْـمُسْلِمِ عَلَى الْـمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ».
الحق الْعَاشِرُ: أَنْ يَتَوَاضَعَ لَهُ وَلَا يَتَكَبَّرَ عَلَيْهِ، وَأَنْ لَا يُقِيمَهُ مِنْ مَجْلِسِهِ الْـمُبَاحِ لِيَجْلِسَ فِيهِ ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ رَجُلًا مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ يِجْلِسُ فِيهِ، وَلَكِنْ تَوَسَّعُوا وَتَفَسَّحُوا».
الحق الحادي عشر: أَنْ لَا يَهْجُرَهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِغَيْرِ حَقٍّ ، لِقَوْلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُدَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ» وَعَنْ أَبِي خِرَاشٍ السُّلَمِيِّ -رَضِيَ الله عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ].
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيَقُولُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا». فاتقوا الله عباد الله ، واحفظوا لإخوانكم حقوقهم ، واصطلحوا فيما بينكم ، وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعانوا على الإثم والعدوان «فَإِنَّ الْـمُسْلِمَ ، مَنْ سَلِمَ الْـمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» . جَعَلَنِي الله وَإِيَّاكُمْ مِنَ الْـمُتَّقِينَ ، وَأَجَازَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنَ التَّهَاوُنِ بِحُقُوقِ الْـمُسْلِمِينَ، وَأَعَاذَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ. بَارَكَ الله لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْـمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لله الَّذِي جَعَلَ الْـمُؤْمِنِينَ إِخْوَةً -وَنِعْمَتِ الْأُخُوَّةُ أُخُوَّةُ الْإِيمَانِ- وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، وَقُلُوبُ الْعِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ ، وَهُوَ صَاحِبُ الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونبينا وحبيبنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى الله وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ، والتابعين لهم بإحسان . أَمَّا بَعْدُ.. فاتقوا الله عِبَادَ الله ، واقتدوا بسلفكم الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين .. فلقد كَانَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ- إِذَا ذُكِّرُوا بِأَحَادِيثِ الرَّسُولِ تَذَكَّرُوا، وَإِذَا خُوِّفُوا بِهَا خَافُوا وَانْزَجَرُوا ، وَذَلِكَ لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ. رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا ، نَذَرَتْ أَنْ لَا تُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ لِكَلَامٍ بَلَغَهَا عَنْهُ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ ، كَلَّمَ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ وَقَالَ لَهُمَا: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ لَمَا أَدْخَلْتُمَانِي عَلَى عَائِشَةَ، فَإِنَّهَا لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُنْذِرَ قَطِيعَتِي، فَأَقْبَلَا بِهِ مُشْتَمِلَيْنِ بِأَرْدِيَتِهِمَا ، حَتَّى اسْتَأْذَنَا عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَا: السَّلَامُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ أَنَدْخُلُ ؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: ادْخُلُوا. قَالُوا: كُلُّنَا ؟ قَالَتْ: نَعَمِ ادْخُلُوا كُلُّكُمْ، وَلَا تَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُمَا ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَلَمَّا دَخَلُوا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْحِجَابَ ، فَاعْتَنَقَ عَائِشَةَ وَجَعَلَ يُنَاشِدُهَا وَيَبْكِي ، وَطَفِقَ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يُنَاشِدَانِهَا: إِلَّا كَلَّمَتْهُ وَقَبِلَتْ مِنْهُ ، وَيَقُولَانِ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَمَّا قَدْ عَلِمَتْ مِنَ الْهَجْرِ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَى عَائِشَةَ مِنَ التَّذْكِرَةِ وَالتَّخْرِيجِ، طَفِقَتْ تُذَكِّرُهُمَا وَتَبْكِي وَتَقُولُ: إِنِّي نَذَرْتُ وَالنَّذْرُ شَدِيدٌ، فَلَمْ يَزَالَا بِهَا حَتَّى كَلَّمَتِ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ ، أَرْبَعِينَ رَقَبَةً، وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَتَبْكِي ، حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا خِمَارَهَا، جَعَلَنِي الله وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ إِذَا خُوِّفَ بِاللهِ نَدِمَ وَخَافَ، وَرَزَقَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الْإِنَابَةِ وَالْإِنْصَافِ مَا يُلْحِقُنَا بِصَالِحِ الْأَسْلَافِ.
عِبَادَ الله..﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ فَأَكْثِرُوا عَلَيْهِ مِنَ الصَّلَاةِ والسلام يُعْظِمْ لَكُمْ رَبُّكُمْ بِهَا أَجْرًا، فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا». اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ سيدنا مُحَمَّدٍ صَاحِبِ الْوَجْهِ الْأَنْوَرِ، وَالْجَبِينِ الْأَزْهَرِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَكَرَمِكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْـمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْـمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ، اللهم اجعل هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سخاءً رخاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْـمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ، اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ..
ليست هناك تعليقات