جديد المدونة

رمضان شهر الانتصارات

رمضان شهر الانتصارات
الحمد لله المتفضّل بالجود والإحسان، المنعم على عباده بنعمٍ لا يُحصيها العد والحسبان، أنعم على هذه الأمَّةِ بإنزال القرآن ، هدًى للنَّاس وبيِّناتٍ من الهدى والفرقان ، ونصر نبينا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ببدرٍ وسَمَّاه يوم الفرقان، وأعزَّه بفتح مكةِ أمِّ القرى ، وتطهيرها من الشرك والأوثان، فيا له من عزٍّ ارتفع به صرحُ الإسلام، واندكّ به بنيان الشرك والطُّغيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الملك الرحيم الرحمن، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا وحبيبنا محمدًا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحقِّ ، ليظهره على جميع الأديان، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه ، الذين نصروه وأعانوه ، فلَنِعْم الأنصار والأعوان ، وعلى التابعين لهم بإحسان ما توالت الدهور والأزمان، وسلَّم تسليمًا كثيرا . أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، فإنَّها الذخيرةَ الَّتِي تَنْفَعُ صاحبها، والتِّجارة التي تُرْبِحُ طالبها، وهي حُلَّةُ العزِّ والكرامة، وَلِبَاسُ السَّعادة والنَّصر والسِّيادة. {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً، وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }الأنفال29
أيها المسلمون الصائمون: في رمضان وقعت أحداثٌ غيرت مجرى التاريخ ، فلقد خاض المسلمون في هذا الشهر المبارك ، معارك عظيمة وهم صائمون ،انتصروا فيها انتصاراتٍ باهرة ،مازال التاريخ يتعطر بأنباء هذه المعارك ، التي تَمُدُّ المسلمين بالقوة ، وَتُذَكِّرُهُم بما يجب عليهم ، حتى يُواصلوا جهادهم في سبيل نصرة دينهم ، وإعزازاً بشأن أنفسهم ، تحقيقا لقوله تبارك وتعالى { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ }المنافقون8
فمن انتصارات المسلمين في شهر رمضان ، غزوة بدرٍ الكبرى ، التي وقعت يوم الجمعة ، في السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وسمَّاها الله عز وجل يوم الفرقان فقال سبحانه { وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ ، يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ }الأنفال41 سميت كذلك ، لأنها فرقٌ بين الحق والباطل ، ولأنها أول نصر عسكري في الإسلام ، ولأنها حدثٌ غير مجرى التاريخ ، فبعد أن كان المسلمون أَذِلَّةً في مكة ، وذاقوا صنوف العذاب ، وَأُخْرِجُوا من ديارهم وهي حبيبةٌ إليهم ، وبعد أن كانوا ضُيُوفا على أهل المدينة ، شاء الله عز وجل بهذه الغزوة أن يتغير الأمر، ويختلف الحال ، وأن يرى المسلمون فرحة النصر ، وأن يذوقوا حلاوة ظهور أمرهم، وسماع الجزيرة العربية كلِّها، بهذه الفئةِ القليلة ، التي غلبة الفئة الكثيرة ، كُلُّ ذلك كان بإرادة الله عز وجل ، في يوم بدر، كان جيش المشركين ثلاثة أضعاف جيش المسلمين ، فألقى المسلمون بأمرهم إلى الله ، فاستجاب لهم وأمدهم بالملائكة يقاتلون معهم ، فيقول تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ، أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ ، وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ، وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ، إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }الأنفال.9 . 10 .
وأكدت موقعةُ بدر أن نوعية السلاح ، ليست الشرط الأولَ للنصر وإنما معدن الإنسان ، وأن المدافعة بين الحق والباطل سنة كونية ، والغلبة تكون لأهل الحق ، مهما تمدد الباطل وكثر أشياعه ، فيقول تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ، فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ، وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ }آل عمران13. ورغمَ قِلَّةِ الْعَدَدِ وَالْعدَّة جاء النصر من عند الله تبارك وتعالى {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ، فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }آل عمران123.
وفي هذا الشهر أيها المسلمون : كان الفتح العظيم فتح مكة ، في العام الثامن للهجرة ، على يد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، فانتزع تلك البقعة المباركة من براثن الشرك، وضمها لحمى التوحيد . وعندما دخل النَّبي صلى الله عليه وسلم مكة ، فكان من أول ما فعل ، أن كسَّر الأصنام المنصوبة حول الكعبة المشرفة، وهو يردد قوله تعالى: {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }الإسراء81 . وقوله سبحانه : {قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ }سبأ49، وصعد بلال على سطح الكعبة، وصدح بالأذان ، فكانت كلماته تتردد في أرجاء مكة، معلنة انتهاء عهد الخرافة والشرك ، وَبَدْءِ عصر النور والتوحيد . وبعد أن أكرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم بدخول مكة، توجه إلى أهلها الذين ناصبوه العداء ، منذ أن بدأ بتبليغ دعوته ، ليقول لهم ، مَا تَرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ ؟ قَالُوا: أَخٌ كَرِيمٌ ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ ، قَالَ : « اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ » رواه البيهقي فيا له من موقف كريم ، يليق بمن أرسله الله رحمة للعالمين . فصارت - ولله الحمد - بلاد إسلام وإيمان ، بعد أن كانت بلاد كفر وأوثان، ودخل الناس بسبب هذا الفتح ، في دين الله أفواجًا ، وأشرقت الأرض بهذا الفتح ضياءً وابتهاجًا ، فقال سبحانه تعالى: إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} .
معاشر المسلمين الصائمين: شهر رمضان شهر مجاهدة النفس ، والانتصار عليها طريق الانتصار على الأعداء ، فلا بد أن ننتصر على أنفسنا، ولا بد لنا من هذا الانتصار الداخلي ، حتى يتحقق الانتصار الخارجي، ولذا كان شهر رمضان عند أهل الإيمان شهر الانتصارات، ، قال بعض الصالحين: جاهدت نفسي على قيام الليل سنة، واستمتعت به عشرين سنة. فجهاد النفس لن يطول بإذن الله تعالى، وإنما هو يسير، لأن الله سبحانه وتعالى قال: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ ، سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}العنكبوت:69.
أيها الإخوة المسلمون: إن انتصار النبي - صلى الله عليه وسلم - في بدر وانتصاره في فتح مكة، هو انتصار لأمته إلى يوم القيامة، فاشكروا الله على ذلك واسألوا الله - عزَّ وجل - أن يُعيد للأمة الإسلامية نصرها وعزّها وكرامتها، وأن يفتح قلوبها لدين الله ، اللهم إنا نسألك أن تُعيد للأمة الإسلامية مجدها وعزّها وكرامتها ،وأن تجمعها على دينك ، وأن تعيذها من شرور أنفسها ومن شرور أعدائها . إنك سميع قريب مجيب ،، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيّته وربوبيته وسلطانه، وأشهده أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدًا عبده ورسوله الذي أيّده الله ببرهانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان، وسلَّم تسليمًا . أما بعد:
معاشر الصائمين : هكذا كان شهر رمضان عند المسلمين ، شهر انتصارات وفتوحات ونشر للإسلام وعز للمسلمين ، يقول سبحانه وتعالى {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ }آل عمران160 ... اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين واجعل بلدنا هذا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين .عباد الله : إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما ، اللهم صلِّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفَّنا على ملته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين وعن زوجاته أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارضَ عنّا معهم وأصلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم مَن أراد بالمسلمين سوءًا فاجعل كيده في نحره، وشتِّت شمله، وفرّق جمعه، واهزم جنده، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا رب العالمين . اللهم اجعلنا ممن صام رمضان إيماناً واحتساباً فغفرت له، واجعلنا ممن قام رمضان إيماناً واحتساباً فغفرت له. اللهم تقبل منا الصيام والقيام ، واجعلنا من عتقاء شهر رمضان ، اللهم وأحسن لنا الختام ، واجعلنا منا المتقين المحسنين ، الصالحين المصلحين ، اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين ..


ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون