وصايا لنا ولأبنائنا
وصايا لنا ولأبنائنا
الحمد لله الذي أمر عباده باتِّباع الشَّرْعِ الشَّرِيفِ والعمل بالدين ، وبين الحلال والحرام على لسان رسوله الأمين ، وكتب السعادة لمن عمل بكتابه المبين ، وقضى بالذلة والشقاء على من خالف أمره فلا يسئل عمَّا يفعل وهم يسألون ، أحمده سبحانه وتعالى وأشكره على ما وهب من الخيرات الحسان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الكريم المنان ، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله عظيم الحُجَّة والبرهان ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين بإحسان .. أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وطاعته ، وطاعة سيد المرسلين ، والتَّمسك بسنَّة خاتم النيين ، وبمخالفة الشيطان اللعين ، ينجيكم مولاكم من العذاب المُهين ، ويدخلُكم الجنة مع أوليائه المتقين ، وتنظروا إلى وجه رب العالمين ، والفائز الناجح في هذه الدنيا والآخرة ، هو من التزم تقوى الله وطاعته ، وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام ، يقول سبحانه وتعالى { وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ }النور52 .
إخوة الإسلام والإيمان : ها قد بدأ شهر المولد المبارك ، شهر ميلاد المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فما أحوجنا ونحن في هذه الظروف الراهنة التي نمر بها في بلادنا ، إلى اتباع هديه وسنته ، والتخلق بأخلاقه والسير على نهجه ، وها هو عليه الصلاة والسلام يوصينا فيقول « اضْمَنُوا لِى سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ ، اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ ، وَأَدُّوا إِذَا ائْتُمِنْتُمْ ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ » رواه أحمد. فهذه وصايا عظيمة من نبينا عليه الصلاة والسلام ، فيها الخير والفلاح في الدنيا ، والفوز والنجاة في الآخرة ، فهل نحن ملتزمون بهذه الوصايا عاملين بها في حياتنا، إن كنا كذلك فهنيئا لنا الجنة ، التي ضمنها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
ولكنا إخوة الإيمان : نفتقد هذه الأخلاق في مجتمعاتنا الإسلامية ، فيأبى بعضٌ من الناس إلا أن يخالفوا هذه الوصايا ، فيتهاونوا بأمور الدين ، وقد ماتت هذه الأخلاق في نفوسهم ، فلا يكاد يمر يوم في بلادنا ، إلاَّ ونسمع ونشاهد فيه مخالفات كثيرة ، من إزهاقٍ للأرواح ، أو سلبٍ للحقوق ، أو اعتداءٍ بالضرب أو بالشتم أو بالسب واللعن ، أو بنشر إشاعاتٍ كاذبة مضللة ، أو بالظلم ، والحقد ، والحسد والبغضاء، ابتعدنا كثيراً عن الأخلاق الطاهرة الكريمة ، واتصفنا بالرذيلة ، وتخلقنا بالأخلاق السيئة الذميمة ، وتفكَّهنا في المجالس بالغيبة ، وانهمكنا في النميمة ، إلاَّ فئة قليلة حفظها الله من ذلك ، حتى أصبح النصح والوعظ والإرشاد لا يؤثر فينا، فهل غرنا الإمهال ، أم ذهبت بنا الآمال فذهلنا عن الأهوال ، ونحن نقرأ ونتلو كتاب ربنا عز وجل، وفيه من الأمثال والمواعظ والزواجر ، ما يكون رادعا لنا ، فأين نحن من قول الله تبارك تعالى { أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }فصلت40 وقوله سبحانه { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ ، لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا ، وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا، أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ، أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }الأعراف179. فهل نحن من الغافلين ، الذين هجروا كتاب ربهم ، أو أننا نقرأ ولا نتدبر ولا نتفكر في آيات ربنا عز وجل ، ونتعظ وَنَحْذَرُ مما جرى للأمم السابقة ، فهل تدبرنا قول ربنا عز وجل { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ، وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً، وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ، وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ }الأنعام6 . وأين نحن ممن قال الله فيهم { وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ، وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً }الكهف59 . فكتاب ربنا مشحون بالزجر والتهديد ، وأحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام قد اشتمل في كثير منها على الوعد والوعيد ، وكلنا يعلم أن المطيع له الجنة ، وأن المذنب العاصي له العذاب ، ولكننا نتعامى ونتصامم وَنُعْرِضُ عن كل ذلك ، فكيف بالله عليكم تفسرون أن الأب يرى ابنه يقتل ولا يردعُه ، ويسرق ولا يمنعُه ، ويغتصب حقوق الناس ولا ينصحُه ولا يوجهه ، ويشرب الخمر، ويتعاطى المخدرات ولا يمنعه ويصده عن هذه الخبائث والآثام ، التي هي أم الكبائر ، فهل اختفى الوازع الديني بين الناس ولم يعد له تأثير، وهل الآباء والأمهات أصبحوا نكرة أمام أبنائهم ، وهم من استلموا زمام الأمر، أصبحنا نتشاجر ونتجادل في أشياءٍ ليس من ورائها فائدة ترتجى ، قد أصبحت من الماضي ، وتركنا أبنائنا يصولون ويجولون دونما رقيب أو حسيب ، يفعلون ما يحلوا لهم وما يروق لهم ، حلالا كان أو حراما ، أو ظلما وإثما وعدوانا ، أيها الآباء هؤلاء هم أبناؤكم ، وأنتم أولاً وأخيراً مسئولون عنهم، وسيسألكم الله عز وجل عن هذه الأمانة ، وسيتعلق أبناؤكم يوم القيامة برقابكم ، ويقولون لرب العزة إن آبائَنَا رأونا مقيمين على المعاصي والمنكرات ، والأوزار والجرائم والطغيان ، ونعتدي على الناس ، فلم ينصحونا ولم يمنعونا ، فسيكونون هم وأعمالهم في موازين سيئاتكم يوم القيامة ، فأعدوا للسؤال جوابًا من الآن { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ }الحاقة18. فلا تغفلوا عن أبنائكم ، وأبعدوهم عن الشر، وأعينوهم على طاعة الله وانصحوهم ووجهوهم للخير ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ،عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ ،لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }التحريم6 . حفظنا الله وحفظ أبنائنا وأهلينا وجميع المسلمين ، وأبعدنا عن كل فتنة وبلية، ونجانا في الدنيا والآخرة ، ووفقنا للأعمال الصالحة ، وجعل أعمالنا مقبولة نافعة ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه وإخوانه ،، وسلم تسليما كثيرا . أمابعد !! أيها الأخوة المؤمنون : لكي تقف بلادنا وتنهض من جديد ، لا بد وأن يتعاون الجميع في البناء والتعمير ، كل حسب موقعه الذي هو فيه ، وعلينا أن نوجه وننصح أبنائنا أن يبتعدوا عن كل المخالفات ، وكلُّ مَا يُسِيءُ للبلاد والعباد ، وليكن هدفنا جميعا إعمار ليبيا وبنائِها ، وضعوا أيها الآباء أمام أعينكم مستقبل أبنائكم ، فهم جيل المستقبل ، ورجال الغد ، ربوهم على حب الوطن ، وحب بعضهم البعض ، وخاصة في المدارس ، ليكونوا رجالا صالحين ، ولربهم محبين مطيعين ، وبرسولهم عليه الصلاة والسلام مقتدين متبعين، حتى نفوز وإياهم بجنة رب العالمين ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « كُلُّ أُمَّتِى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، إِلاَّ مَنْ أَبَى » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ « مَنْ أَطَاعَنِى دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِى فَقَدْ أَبَى » .
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي مَلأْتَ قَلْبَهُ مِنْ جَلاَلِكَ ، وعينه من جمالك ، فأصبح فرحا مؤيدا منصورا ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ، والحمد لله على ذلك ، اللهم أعزنا بالإسلام ، وأعز الإسلام بنا ، واجعلنا من الصالحين ، اللهم حسِّن أخلاقنا ، وأقوالنا وأفعالنا ، وأصلح فساد قلوبنا ، اللهم إنا نسألك حياة طيبة فيها السعادة والكرامة ، والتقوى وزيادة الإيمان ، والأمن والأمان ، والخير والإحسان ، اللهم يا الله يا حفيظ يا رحيم ، احفظ بلادنا وبلاد المسلمين ، احفظ بلادنا يا الله من أهل الفساد والخراب ، والمكر والإجرام ، والمنكر والباطل ، ومن أصحاب الكذب والإشاعات والخيانة ، اللهم إنه لا يخفى عليك ماتمر به بلادنا ، من قلاقل أهل السُّوء ، اللهم إنا فوضنا الأمر إليك ، اللهم إنا فوضنا أمورنا وأمور بلادنا إليك ، يانعم المولى ويا نعم النصير ، دبِّر لنا فإننا لا نحسن التدبير ، اللهم دبِّر لنا فإننا لا نحسن التدبير، اللهم اصرف عنا وعن بلادنا السوء بما شئت وكيف شئت إنك على كل شيء قدير ، اللهم ببركة هذا اليوم المبارك ، وببركة الصلاة والسلام على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، وفِّق وأعن من أوليتهم وحمَّلتهم أمانة ومسئولية بلادنا إلى ما تحبه وترضاه ، اللهم اجعل التقوى والخشية في قلوبهم ، والقوة والشجاعة والعدل في أقوالهم وأعمالهم ، واجعل لهم بطانة خير تعينهم على كل خير ومعروف ، وعمل صالحٍ يخدم البلاد ويُسعد العباد ، وتبيِّن لهم كل شرٍ وفساد حتى يبتعدوا عنه ، اللهم بارك في ثورة بلادنا ثورة 17 فبرير، واجعلها بركةً على البلاد والعباد ، يا من عليه الاعتماد ، اللهم بارك في شباب البلاد المخلصين ، الذين يعملون ليل نهار على خدمة وصيانة المرافق العامة للبلاد ، اللهم مُنَّ عليهم بالصحة والنشاط ، والحفظ والبركة ، اللهم لنا ولهم نسألك العفو والعافية ، والعمر والرِّزق المبارك ، والأدب والأخلاق العالية يارب العالمين ، اللهم بارك في والدينا وأهلينا وجمعنا هذا وجموع المسلمين في كل مكانٍ من الأرض ، يارب اغفر للموتى وارحم وتقبَّل الشهداء الأبرار ، واشف المرضى وداوى الجرحى واهد السفيه والضال إلى الرشد يارحيم ، اللهم اغفر لمن أسس هذا المسجد المبارك ، وبارك فيمن يقومون على خدمته ، وفيمن أوقف عليه شيئا ياكريم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم ..
ليست هناك تعليقات