لا للفساد
لا للفساد
الحمد لله الذي نهى عن الفساد في الأرض بعد إصلاحها ، فقال سبحانه وتعالى في كتابه المبين { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } (85) سورة الأعراف . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يحبُّ الصَّالحين المصلحين ، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله ، القائل عليه الصَّلاة والسَّلام وقد سئل ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ « نَعَمْ ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ » وفي روايةٍ أخرى « نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ » صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد !! فأوصيكم عباد الله ونفسي معكم بتقوى الله ، فاتقوا الله تعالى وكونوا من المحسنين المصلحين ، ولا تكونوا من المتكبرين المفسدين ، ممتثلين قوله تبارك وتعالى{ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ، وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ، وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ، وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (77) سورة القصص.
إخوة الإسلام والإيمان : دين الإسلام دين الأخلاق والمكارم ، فشريعةُ الإسلام أمرت بكلِّ جميل ، وحذَّرت من كلِّ قبيح ، يقول الله تبارك تعالى { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ، وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ }النحل90. فأمر سبحانه وتعالى بكلِّ مصلحة ، ونهى عن كلِّ مفسدة ، فالفساد بأنواعه وأشكاله ، وصوره وأوضاعه ، أمرٌ لا يحبه الله ، وظاهرةٌ سيئةٌ في المجتمع المسلم ، وَسِمَةُ هَلاَكٍ للأمم ، يقول الله تبارك وتعالى{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا، وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ، وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} (204 ـ 205) سورة البقرة . فالفساد أمرٌ ممقوتٌ شرعا ، لا يُحِبُّهُ الله ولا يُحِبُّ أَهْلَهُ ، كما قال تبارك وتعالى } وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ { . بل إن الله عز وجل أيها الأخوة : عذَّب أقواما وأبادهم عن آخِرِهِمْ ، بسبب الفساد وانتشاره وكثرته فيما بينهم ، فقال تعالى { وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ، وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ، الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ، فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ}سورة الفجر.. فالفساد أمرٌ مرفوضٌ شرعا مهما كان نوعه ، سواءً كان فسادًا أخلاقيًّا ، أو فسادًا ماليًّا ، أو فسادًا إداريًّا ، أو غير ذلك ، فهو الفساد الذي ضد الصَّلاَح ، ويكفيه ذلك سوءا ومقتا وذما .
أيها الأخوة المؤمنون: ومن الفساد الذي تعاني منه البلاد ، ويشكوا منه العباد ، ما يقوم به بعض الناس من الاعتداء على إخوانهم المسلمين ، بسرقة أموالهم وممتلكاتهم ، وتكون في بعض الأحيان ، بالإكراه وتحت تهديد السلاح ، وبعضهم الآخر يقوم بتخريب المنشئات ، والمؤسسات التعليمية وحرقها، والاعتداء على الممتلكات العامة ، والسطو على المحلات، كل هذا حرامٌ في شريعة الإسلام ، فكيف يكون المسلم مسلما ويدَّعى الإسلام ، وهو يخرب ويحرق ويدمِّرُ الممتلكات العامة ؟ وكيف يكون مسلما وهو يعتدي على أخيه المسلم وعلى حياته وأملاكه ؟ وكيف يكون مسلما وهو يسعى للهدم والتخريب والدمار في مجتمعه ؟ وكيف يكون مسلما وهو يبثُّ الإشاعات الكاذبة ، التي تثير القلاقل والفتن في المجتمع ؟ وكيف يكون مسلما وهو ينهب المال العام ويعتدي على الممتلكات العامة ؟ هل هذا هو المسلم الذي يدعِّي الإسلام حقا وصدقا ؟ كلا فلا يكون المسلم هكذا أبدا . فيا من تدَّعى الإسلام وتفعل ذلك ، اعلم أن المال العام والممتلكات العامة مِلْكٌ للنَّاس جميعا ، وليسَتْ مِلْكًا لفئةٍ معينةٍ من الناس ، والقائمون عليها إنَّما هم أُمَناءُ في حفظها ، فلا يَحِلُّ لأحدٍ أن يعتدي عليها، أو يأخذ منها ما لا يستحق ، فالحذر الحذر من هذه الاعتداءات على المال العام ، فإن هذا ظلمٌ واعتداءٌ على حق الناس جميعا ، وليس لصاحب هذا الفعل إلا النَّارَ يوم القيامة ، عياذاً بالله من هذا المصير، جاء ذلك في سنن الترمذي ، عَنْ خَوْلَةِ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ ، مَنْ أَصَابَهُ بِحَقِّهِ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَرُبَّ مُتَخَوِّضٍ فِيمَا شَاءَتْ بِهِ نَفْسُهُ ، مِنْ مَالِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، لَيْسَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ النَّارُ ». وَفي سنن الترمذي ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ ». " أي من حرام " . وكذلك لا يُقْبَلُ عمله : فقد روى الطبراني من حديث ثوبان قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأُنَاسٍ مَعَهُمْ مِنَ الْحَسَنَاِت كَأَمْثَالِ جَبَلِ تِهَامَةَ ، حَتَى إِذَا جِئَ بِهِمْ ، جَعَلَهَا اللهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ، ثُمَّ يُقْذَفُ بِهِمْ فِي النَّارِ » فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ ذَلِكَ ؟ قَالَ « كَانُوا يُصَلُّونَ وَيُزَكُّونَ وَيَحُجُّونَ ، غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا عُرِضَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنَ الْحَرَامِ ، أَخَذُوهُ فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ ». فالحذر الحذر أيها المسلم الكريم ، أن تقع في أخذِ شيءٍ من هذه الأموال المحرمة ، ولو كان بسيطا ، فإن ذلك لا يحلُّ لك ، فالمسلم هو من ينأى بنفسه عن كل ما يوقعه في الحرام ، ويسعى دائما لفعل الخير ، ونصح إخوانه وترغيبهم بفعل الخيرات ، والمسلم هو من يتعاون مع إخوانه ، لحماية المرافق العامة من هذه الاعتداءات ، ويسعى للمحافظة على بلده وبنائها وتعميرها ، ورقيها وتقدمها وازدهارها ، دون أن ينتظر من وراء ذلك جزاءا ولا شكورا ، والمسلم هو من يسعى كذلك ، إلى أن يكون له سهم في العمل التطوعي الخيري ، لسعادة أبناء بلده ورفاهيتهم ، ويكون له دور في صيانة الطرقات وتنظيفها ورفع الأذى منها ، والمسلم هو من يكون حريصا على سلامة إخوانه ، ورفع الاعتداء والظلم إن وقع عليهم ، والمسلم من يكون جميلا في منطقه ، بعيد عن الفحش وبذاءة اللسان ، بعيدا عن قول الإشاعات وترديدها، لأنه يحب وطنه ويحب أهل بلده ، ويحب لهم الخير كما يحبه لنفسه ، لأن هذه من خصال الإيمان . في سنن النسائي عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ ». فعلينا أن نكون يدًا واحدة ، وعينًا ساهرة في الحفاظ على ديننا ، وأمنِ وأمان بلادنا واستقرارها ، والمحافظة عليها من المفسدين والمخربين ، والإبلاغِ وعدمِ التَّسَتُّرِ على كلّ من أراد تعكيرَ أمن المجتمع ، أو الإخلال باستقرار البلاد والعباد ، أو السعي في الأرض بالفساد . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ، وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ، إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (56) سورة الأعراف. جعلنا الله جميعا من المحسنين المصلحين ، وحفظنا وحفظ بلادنا من المفسدين والمخربين ، وجعلنا متعاونين متراحمين ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه وإخوانه ،، وسلم تسليما كثيرا . أمابعد !! أيها الأخوة المؤمنون :علينا أن نتعاون جميعا ، في مكافحة ومحاربة الفساد والمفسدين ، كما قال جل وعلا { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ { فنحن بحاجة لنقف صفا واحدا ، ونكون يدا واحده ، أمام هذا الفساد المنتشر ، ليسلم لنا مجتمعنا ، ونحصل على حقوقنا ، ولا تتعطل مصالحنا ، فالمفسد كائنا من كان ، لا بد من محاسبته ، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، في الحديث الصحيح « وَالَّذِي نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا ». فاتقوا الله أيها المؤمنون في أنفسكم، واتقوا الله في أهليكم، واتقوا الله في بلادكم ، وأصلحوا فساد القلوب بالكف عن الحرام وطلب الحلال، والعمل الصالح ، فأي لحمٍ نبت من سحت فالنار أولى به. فحافظوا إخواني على بلادكم ، وتعاونوا في حماية ممتلكاتها التي هي ملكٌ لكم جميعا ، وهي بحاجة إلى خدمات أبنائها المخلصين الوطنيين ، ليكونوا يدا واحدة تسعى للبناء والتشييد ، والتطوير والتعمير ، نسأل الله تعالى أن يبارك في جهود المخلصين ، وأن يؤلف بين القلوب ، إنه سميع قريب مجيب ،، هَذَا ثم َصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا رَحِمَكُمُ اللهُ ، عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وقدوة الناس أجمعين ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ ، فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: { إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا } اللَّهُمَّ صَلِّ وسلم وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ . اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين ، اللهم اجعلنا في هذا اليوم المبارك والشهر المحرم من المقبولين الفائزين ، اللهم اجعلنا ممن نال رحمتك ومغفرتك ورضوانك ، اللهم أدخل الرحمة والخيرات في قلوبنا ، وأزل البغضاء والشحناء من صدورنا ، اللهم اجعلنا متعاونين متصالحين ، من أجل رضاك وإسعاد مجتمعاتنا ، اللهم احفظ بلادنا ليبيا، ، ووفق من حملتهم مسئولية وأمانة البلاد والعباد ، إلى كل خير يرضيك ، ويسعد العباد ويحفظ البلاد ، وسر بنا وببلادنا ليبيا وبلدان المسلمين إلى بر الأمان ، والخير والإحسان ، واجعل التقوى زادنا وزادهم ، اللهم أعن أصحاب المسئوليات الكبيرة والصغيرة على مسئولياتهم ، واعنهم على خدمة البلاد وسعادة العباد ، يا الله ياكريم ، اللهم احفظنا جميعا من كل عدوٍّ وحاسد وماكر ، اللهم أبدل خوفنا أمنا، وبغضنا حبا ، وحزننا سرورا ، وتأخرنا تقدما ، وَذُلَّنَا عزا ، وضعفنا قوة ، وتقاطعنا تواصلا ، وقسوتنا رحمة يا كريم ، اللهم منَّ على الشهداء الأبرار بالمغفرة والرضوان، والمنازل والحور الحسان ، اللهم داوي الجرحى واشف المرضى يا رءوف يا رحمان ، واغفر للموتى يا أهل المغفرة والرحمة يا أرحم الراحمين ، اللهم يا حنان يا منان منَّ علينا بالخير والرزق المبارك، والصحة والعافية والأمن والأمان ، اللهم اغفر لمن أسسوا هذا المسجد المبارك ، ولمن يقوموا على خدمته يارب العالمين ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم ، عباد الله { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر ، والله يعلم ما تصنعون ، ويغفر الله لي ولكم والحمد لله رب العالمين ، ويرحم الله عبدا قال آمين .. وأقم الصَّلاة ..
ليست هناك تعليقات