جديد المدونة

الإيمان بالقضاء والقدر


الإيمان بالقضاء والقدر

الحمد لله الواحدِ القهار، العليِّ الغفار، النافعِ الضار، وكلُّ شيءٍ عنده بمقدار، قدَّر المقاديرَ بعلمه، وقضى القضاء بِحِكمته، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق كل شيء بقدر، وقضى وغفر، وملك وستر، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أعظمُ مؤمنٍ بالقضاء والقدر، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .  أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله سبحانه وطاعته ، والرضا بقضائه وقدره ، يقول سبحانه وتعالى {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }القمر49 .

عباد الله : إن من أعظمِ أركانِ الإيمانِ ، المعلومةِ لدى كلِّ مسلم ومسلمة ، الإيمان بالقضاء والقدر، خيره وشره، حُلْوِهِ ومُرِّهِ، لأنه من عند الله تعالى ولا راد لحكمه سبحانه ، فالله جلَّ جلاله لا يقبلُ إيمانَ امرئٍ حتى يؤمن بالقدر خيرِه وشره، يقول عليه الصلاة والسلام ، لما سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان ، فقال « أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ». رواه مسلم. ولهذا كانت وصيةُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لاِبْنِهِ ، يَا بُنَىَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ ، حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ ، فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ. قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ ، قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَىْءٍ ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ». يَا بُنَىَّ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّى ». رواه أبو داود.

فالمؤمن مَنْ يُؤْمِن أن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن، وأن الناس لو اجتمعوا على أن ينفذوا أمراً لم يشأه الله جل وعلا في ملكوته لم يقع ، لأنه لم يُكتب في ملكوت الله جل وعلا ، ولنعلم ولنتيقن ، أن ما حصل من تغيير في بلادنا ، وفي بلدان أخرى من العالم الإسلامي ، هو مكتوب في علم غيب الله سبحانه وتعالى ، وليس لأي مخلوق بإمكانه أن يأتيَّ بشيء ، إذا لم يحصيه الله في قضائه وقدره ، يقول سبحانه وتعالى { وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } يس12.

إن القضاء يا عباد الله : هو الشيءُ الذي وقع وتم فيه حكم الله ، والقدر ما كتبه الله تعالى وَعَلِمَهُ قبل وقوعه ، فهو سبحانه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، فالمؤمن يؤمن بعلم الله سبحانه وإحاطته الأزليه ، بمقادير الأشياء وأحوالها التي ستكون عليها، فلا يقعُ مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، إلا طبقاً لما أحاط به علمه سبحانه ، وسبق به كتابُه.

فإذا عَلِمَ الإنسانُ وأيقن ، أن ما أصابه فإنما هو بعلم الله وَحُكْمِهِ ، ليس خطأ أو عبثاً أو حظاً، يقول عليه الصلاة والسلام  « فَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ « لَوْ » تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ » رواه بن ماجة. وأن ما أخطأه فإنما هو أيضاً بعلم الله وحكمه، فإذا علم ذلكَ استراحت نفسه، وسلَّم أمره لله، ورضي بحكمه وقضائه، فلا يَجْزَعْ ، بل يكون مطمئن القلب هادئ البال، راضيا بكل ما يصيبه، صابرا عليه، شاكراً لكل فضل من الله وإحسان، يقول عليه الصلاة والسلام « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ ،  فَكَانَ خَيْرًا لَهُ » رواه مسلم. ورحم الله من قال :

مَازالتِ الأيامُ تأتي بالعِبَر

                   أَفِقْ وسلِّم للقضاءِ والقدر

وقل بما جاء به خيرُ البشر

            هبْ لِي الرِّضَاء بِالقضاءِ والقدر

وفي قضاءِ اللهِ ثُمَّ فِي الْقَدَر

                     مِنْ بعد هذاَ عبرةٌ لِلْمُعْتَبِر

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المعتبرين المتعظين ، الراضين بقضائه وقدره إنه ولي ذلك والقادر عليه ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ادعوا الله ..

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مقدر الأقدار، ومصرفِ الأمور والأحوال ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.  أما بعد: فلنعلم يا عباد الله : أن من ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر ، أنه يهدئ روع المؤمن عند المصائب ، وعند فوات المكاسب، فلا تذهب نفسه عليها حسرات، ولا يلوم نَفْسَهُ أو يُعَنِفُهَا، بل يصبر ويرضى بحكم الله تعالى، ويعلم أن هذا هو عين قضاء الله وقدره، يقول سبحانه وتعالى : {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ ، إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ، إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ، لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ ، وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} الحديد: 22، 23. هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله ، على من أمرنا بالصلاة والسلام عليه ، بقوله سبحانه وتعالى ، عزَّ قائلا عليما {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56 . اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وَسَلِّمْ تسليما كثيرا ، اللهم إنا نسألك إيمانا صادقا ، ولسانا ذاكرا ، وقلبا خاشعا ، اللهم ثبتنا على الإسلام ، وارزقنا حلاوة الإيمان ، واجعلنا من أهل السعادة يا كريمُ يا منان ، اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين ، وفرج كروبنا وكروب المسلمين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين ، اللهم اجعل بلادنا آمنة مطمئنة ، سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين ، وجنب عنا وعنها فساد المفسدين ، وحقد الحاقدين ، وظلم الظالمين ، ومكر الماكرين ، إنك على كل شيء قدير  ، اللهم أَنْزِلْ فِي قُلُوِبِنَا حُبَّكَ وَحُبَّ رَسُولِكَ وَحُبَّ بِلاَدِنَا يا رب العالمين يا أرحم الراحمين ، اللهم وفق أبنائنا وبناتنا في امتحاناتهم ، اللهم اجعلهم من المتفوقين ، واجعلهم ياربنا حريصين على دروسهم ، اللهم ارزقنا وإياهم الخشية والإنابة إليك ، وألهمنا وإياهم الرشد والهداية في دينك ، واجعلنا وإياهم من الناجحين في الدنيا والآخرة يا رب العالمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، إنك سميع قريب مجيب الدعوات .

عباد الله : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90 اذكروا الله يذكركم واشكروه على عموم نعمه وفضله يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.



 






ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون