لا للإشاعات ونعم للالتحاق بالأعمال
لا للإشاعات ونعم للالتحاق بالأعمال
الحمد لله رب العالمين ، أمرنا بالتثبت من الأخبار والأقوال ، حتى لا نكون من النادمين ، فقال سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلين { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }الحجرات6. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، القائل عليه الصلاة والسلام « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ..»صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين . أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ، وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }الأحزاب70 ، 71
إخوة الإسلام والإيمان : لقد أمر الإسلام المسلمين ، بحفظ اللسان والصدقِ وَالْحُسْنِ في القول ، فقال سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }التوبة119 . وقال سبحانه { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً }البقرة83 وفي مسند الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ ، وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ ». وقد نهى الإسلامَ المسلمين ، عن الفجور والبهتان ، والكذب والزور والخوض في الباطل ، أو ما يثير الفتنة والشقاق بين الناس ، أو يشيع الفوضى وَيُخِلَّ بالأمن ، وقد جَعَلَ الإسلام المسلم ، من سَلِم المسلمون من لسانه ويده ، والْمُؤْمِنَ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسَ ، ففي مسند الإمام أحمد، عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « تَدْرُونَ مَنِ الْمُسْلِمُ ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ عليه الصلاة والسلام: الْمُسْلِمُ« مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ». ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم « تَدْرُونَ مَنِ الْمُؤْمِنُ ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ عليه الصلاة والسلام: المُؤْمِنُ « مَنْ أَمِنَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ فَاجْتَنَبَهُ ». ,, فهذا هو المسلم وهذا هو المؤمن ، وهذا هو المهاجر، الذي يهجر السوء سواءً بالأقوال أو الأفعال ، ويبتعد عنه ويجتبه ، وألاَّ يخوض في الباطل، ويتقول على الناس بغير علم ، وينشر الإشاعات المغرضة الهدَّامة ، التي تُرْهِبُ النَّاس ، وتَفُتُّ من عضدهم، وتقودهم إلى التخاذل والتراجع والانطواء ، وتقنِّطهم وتثبِّط عزائمَهُم ومعنوياتهم ، فينهار المجتمع ويتفرق ، وينشأ الشقاق والنزاع بين أفراده ، فانتبه أيها المسلم ، لأن هذه الأقوال والأفعال موجبة لغضب الله وعقابه ، جاء في صحيح البخاري عن سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ رضي الله عنه قَالَ ، قال رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّهُ أَتَانِى اللَّيْلَةَ آتِيَانِ ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِى ، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِى انْطَلِقْ . وَإِنِّى انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا » ... ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَكَاَن مِمَّا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ « فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِى أَحَدَ شِقَّىْ وَجْهِهِ ، فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ - قَالَ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ ، حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى . ثم جاء خبره في آخر الحديث، حيث قال له الرجلان: « إِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ » . فانتبه أيها المسلم لهذه الأفعال ، ولا تكن ناقلا للأخبار ، مرددا للإشاعات ، وَلِكُلِّ ما تسمعه من أقوال ، دون التثبت من صحتها ومن صدقها ، فإن هذا من الإثم الذي نهى عنه عليه الصلاة والسلام ، جاء في سنن أبي داود عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ».
إخوة الإيمان : كذلك فإن بعضا من الناس سامحهم الله ، يشيعون في المجتمع ، بأن هناك مفاجآت وأشياءً مأساوية ومدمرة ستحدث في بلادنا ، ويحددون لها تواريخ وأيامًا معينة ، وَيُقْنِعُوا بها ضعفاء النفوس والعقول ، فيصدقونها ويروجونها ويشيعونها بين الناس ، فيترتب على ذلك حدوث خوف وقلق وخاصة بين الأطفال والنساء ، وبعض من كبار السن ، ويفسدون بهذه الإشاعات العباد والبلاد ، والله سبحانه وتعالى لا يحب الفساد ، يقول جل في علاه { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا ، وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ، وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} البقرة ، 204 .. 206 . فلا تكن أيها المسلم مفسدا في الأرض ، بترديدك للإشاعات والأقاويل الكاذبة الباطلة ، وتكون سببا في خراب بلادك ، وإثارة الفتنة بين أبناء مجتمعك ، اسمع أيها المسلم إلى ما رواه الإمام مالكٌ في الموطإ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ ، قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا فَقَالَ « نَعَمْ ». فَقِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلاً فَقَالَ « نَعَمْ ». فَقِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا فَقَالَ « لاَ ». فاجتنب أيها المسلم هذه الصفة الذميمة ، فالكذب من صفات المنافقين ، وإنه يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ناهيك عما قد تجرّه هذه الكذبة ، وهذه الإشاعة ، من الضرر والأذى لبعض الناس في دينهم أو دنياهم ، جاء في صحيح مسلم ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا ». فاتق الله أيها المسلم ، واجتنب هذه الأخلاق والصفات المشينة الذميمة ، واحرص على أن تُكْتَبَ عند الله صديقا ، وألاَّ تُكْتَبَ عنده كذَّابا ، وإياك أن تردد أيها المسلم ، ما يروجه هؤلاء من إشاعات ، وَتُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ زَعَمُوا ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا » رواه بن ماجة. جعلني الله وإياكم من المؤمنيين الصادقين ، وجنبنا وإياكم صفات الفاسقين والمنافقين .. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ...
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ: فاتقوا الله عباد الله ،، ثم عليكم أيها الليبيون : أَنْ تَتَفَطَّنُوا إلى كل من يسعى بالفتنة فيما بينكم ، ويشيع هذه الإشاعات المغرضة في مجتمعاتكم ، عليكم أن تقطعوا عليه الطريق ، بعدم ترديد هذه الإشاعات وعدم تصديقها ، ولا تجعلوا هؤلاء المرجفون يُؤَثِّرُونَ فيكم ، ويثيرون الفتنة والفرقة والخلافات فيما بينكم ، فهؤلاء لا يريدون مصلحتكم ، ولا مصلحة بلادكم ، ضعوا أيديكم في أيدي بعض ، لبناء وتعمير بلدكم ، وقدموا مصلحتها على كل مصلحة ، وضعوا مستقبل بلادكم وأبنائكم وبناتكم أمام أعينكم ، ربوهم على حب ليبيا ، ومصلحة ليبيا ، والمحافظة على خيرات ليبيا ، وهذا لا يتأتَّى ، إلا بمبادرة الجميع للقيام بأعمالهم ، فهذه دعوة للموظفين والموظفات، والمعلمين والمعلمات ، وللأطقم الطبية بالمستشفيات والمصحات ، ورجال الأمن والجيش ، وكل من له عملٌ عام أو خاص ، أن يلتحقوا بأعمالهم ووظائفهم ومؤسساتهم ومحالِّهم ، يكفي من التراجع والتخاذل ولامبالاة ، يكفي من الفتنة والتذمر والتحسر ، فليبيا الجديدة تناديكم لبنائها وتعميرها ، فلبوا نِدَائَهَا ولا تكونوا سلبيين ، تنتظرون من يحرككم ويدفعكم ، بل عليكم بالمبادرة بأنفسكم ، فالله سبحانه وتعالى يقول { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ، وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }الرعد11 ويقول سبحانه وتعالى { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ، وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }التوبة105. نسأل الله سبحانه وتعالى ، أن يوفقنا جميعا لبناء بلادنا وتعميرها ، والسير بها نحو الأفضل والأحسن ، وأن يجعلنا يدا واحدة متماسكة مترابطة ، تسعى للخير والصلاح والإصلاح بين أفراد المجتمع ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء ،،
ليست هناك تعليقات